Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر

في "الفاو" عمارة وحضارة 

WhatsApp Image 2024-09-01 at 10.52.26_60907b97

A A
لأرض المملكة العربية السعودية مكانة ضاربة في جذور التاريخ، تشكّلت من خلال العديد من الحضارات التي تعاقبت عليها، وصنعت مجموعة من الشواهد التاريخية التي كوّنت الثروة التراثية التي تحظى بها المملكة في يومنا الحاضر، وتعد "مملكة كندة القديمة" بعاصمتها "الفاو" أحد أبرز حضارات الجزيرة العربية التي تعكس عمقها التاريخي.

وتعود بدايات هذه الحضارة إلى القرن الرابع قبل الميلاد، حينها بزغ فجر "قرية الفاو الأثرية" عاصمة "مملكة كندة القديمة" كواحدة من أهم الحضارات الموغّلة في تاريخ جزيرة العرب، حيث كانت تعتبر نقطة جذب للعيش والاستيطان فيها، نظراً لموقعها الذي يتوسّط أرض شبه الجزيرة العربية، ولوقوعها على أحد أهم طرق التجارة في ذلك الوقت؛ لتصبح مع مرور الزمن مركزاً سياسياً وثقافياً مهماً.

ولعاصمة تلك المملكة طرازها المعماري الفريد الذي يعكس رخاءها واستقرارها، بدءاً من تخطيطها الهندسي الذي صُمّم بطريقة مبتكرة وفريدة، فكانت القرية مفتوحة ولا تحيط بها الأسوار من أي اتجاه، وذلك لغرض مراقبة واستقبال مختلف القوافل التجارية التي تمر منها، كما كان يحدها من الجهة الشرقية "جبل طويق" وهذا ما يعطيها نوعاً من الحماية.

واستخدم البنّاؤون في "الفاو" الطوب المصنوع من مزيج الطين والجبس كمادة رئيسية في البناء، إضافة إلى استخدام الحجر الكلسي المنقور والمصقول في بناء الأساسات والمقابر، كما اشتهرت القرية في تبليط المباني باستخدام الجص، وتميزت مباني القرية بزخرفتها من الداخل والخارج مما يعطيها جمالاً في عمارتها، إضافة إلى تدعيمها بالأبراج المربعة والمستطيلة.

وتتضمن القرية منطقة سكنية كبيرة تحتوي على العديد من الأزقّة، والممرات، والشوارع بين المنازل، وقد تم تخطيطها وتصميمها وتنفيذها بإتقان هندسي كبير، فكانت تتميّز تلك الوحدات السكنية بجودة بنائها، استدلالاً بضبط زوايا الجدران القائمة، إضافة إلى سمكها الذي يصل إلى 180 سم، كما تتميز باتساعها الذي يصل في بعض الغرف إلى 10 أمتار طولاً، و3 أمتار عرضاً.

وتتميز المنطقة السكنية بوجود شبكة مياه نظيفة تزوّد ساكني القرية بالمياه العذبة من مصادرها التي تُعد نوعاً ما بعيدة عن المنازل، فالساكن بتلك القرية لا يحتاج الخروج من منزله للتزوّد بالماء، بل يصله إلى داره دون عناء أو كبد، وهذا يعكس جزءاً من رخاء تلك الحضارة وتقدمها الذي نتحدث عنه.

وتحتوي "الفاو" على سوق تجاري كبير محاط بـ 7 أبراج، ويتكون من 3 طوابق، وقد تم تخطيطه بعناية فائقة، حيث كانت الدكاكين تحيط بساحة مكشوفة في وسط السوق، ويفصل بين الدكاكين مجموعة من الطرقات التي تؤدي إلى عدد من المستودعات والمخازن الموجودة خلفها.

ومن خلال نافذة "الفاو" التاريخية ينعكس الثراء الثقافي الذي تحظى به أرض المملكة؛ لتجسّد عمقاً حضارياً ضارباً في جذور التاريخ، وتروي رخاءً عاشه الأسلاف رغم صعوبة الحياة في ذلك الوقت، وينتهي بها المطاف في قائمة التراث العالمي لدى "اليونسكو" باعتباره موقعاً ثقافياً يمتلك قيمة عالمية استثنائية للتراث الإنساني.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store