ألقِ نظرةً علَى خارطةِ (الشَّرقِ الأوسطِ)؛ لِترَى أنَّ بلدانَ المنطقةِ سوفَ تشاهدُ أوقاتًا صعبةً فِي مستقبلِ الأيامِ، قبلَ أنْ تستقرَّ أمورُهَا.
المنطقةُ التِي تبشِّرُ بمستقبلٍ واعـدٍ هِي مَا أُسمِّيه (واحةً)، أيّ بلدانِ الخليجِ التِي تُدارُ أمورُهَا بحكمةٍ وواقعيَّةٍ؛ ممَّا يحقِّقُ الاستقرارَ، وكذلكَ الرَّخاءَ، وفرصَ النموِّ الاقتصاديِّ. وستواصلُ بلدانُ الشَّرقِ الأوسطِ عدمَ استقرارِهًا لسِنين طويلةٍ مقبلةٍ. خاصَّةً وأنَّ الدولَ المتنافسةَ علَى خيراتِ العالمِ، تسعَى للهيمنةِ علَى مواردِهِ، وهِي الدولُ الكُبْرَى (أمريكا والصين)، والدَّولةُ التِي كانتْ كُبْرى (الاتِّحاد السوفيتي الذِي أصبحَ روسيَا)، والدَّولةُ الموعودةُ بأنْ تكونَ كُبْرَى، (الهندُ)، لمْ تستقرْ بَعد علَى نظامٍ عالميٍّ بقوانِين ومعاييرَ، كمَا حصلَ بعدَ الحربِ العالميَّةِ الثَّانيةِ، إذْ أصبحتْ منظَّمةُ الأُممِ المتَّحدةِ وتفرُّعاتُهَا غيرَ فعَّالةٍ.
لَا يبدُو أنَّ دولَ منطقةِ الشَّرقِ الأوسطِ قادرةٌ علَى حلِّ أزماتِهَا لوحدِهَا، وأعنِي بذلكَ الدُّولَ التِي تُعانِي مِن الاضطرابِ، وعدمِ الاستقرارِ. وهِي دولٌ تحيطُ بواحةِ الاستقرارِ والنموِّ الخليجيَّةِ مِن كلِّ جانبٍ، وتتعرَّضُ لتنمُّرِ الفاشيِّينَ فِي أرجاءِ المنطقةِ.
شمالُ إفريقيَا تُعانِي بعضُ دولِهِ مِن أنظمةٍ فاشلةٍ. وأكبرُ مثالٍ علَى ذلكَ ليبيَا التِي انقسمتْ بشكلٍ رئيسٍ إلَى مَا يشبهُ الدَّولتَينِ، وتدخَّلتْ فيهَا دولٌ كُبْرى، ودولٌ إقليميَّةٌ، ودويلاتٌ بعيدةٌ وقريبةٌ، وتحوَّلتِ المافياتُ فيهَا إلَى قِوَى سياسيَّةٍ تتنافسُ فيمَا بينهَا علَى المالِ والسلطةِ. وواصلتِ الفوضَى مسيرتَهَا إلَى السُّودان، حيثُ أصبحتْ أكبرُ المذابحِ تحدثُ علَى أرضِهَا فِي صراعٍ غيرِ مُجدٍ للسيطرةِ علَى كاملِ البلادِ لصالحِ أطرافٍ داخليَّةٍ وخارجيَّةٍ. وتسبَّبتْ بنزوحٍ كبيرٍ للاجئِينَ داخلَ البلادِ وخارجَهَا. وأصبحتْ تهدِّدُ أمنَ جيرانِهَا واستقرارِهَا، حيثُ تُوجدُ فيهَا العصاباتُ الإرهابيَّةُ، ويتمُّ تصديرُهَا إلى مناطقَ شتَّى داخلَ وخارجَ المنطقةِ.
مستقبلُ الشَّرقِ الأوسطِ تتحكَّمُ فيهِ أحداثُ فلسطينَ وسوريَا ولبنانَ واليمنَ وليبيَا، بالإضافةِ إلَى بلدان شرقِ أوسطيَّةٍ انقلبَ حالهَا وتحوَّلتْ إلَى خطرٍ علَى نفسِهَا وجيرانِهَا. لذَا فإنَّ كافَّة دولِ المنطقةِ معنيَّةٌ بالسَّعيِ لإطفاءِ حرائقِ المنطقةِ، والحدِّ مِن شطحاتِ النظامِ الدوليِّ الليبراليِّ القديمِ، فِي الرغبةِ بالتغييرِ واهتماماتِ المقبلِ الجديدِ مِن القِوَى للاستفادةِ مِن الفوضَى القائمةِ. لذَا يتوجَّبُ علَى باقِي دولِ الشرقِ الأوسطِ غيرِ الملتهبةِ التَّداعِي للبحثِ فِي سُبلِ الإنقاذِ، حتَّى لا تتسلَّلَ الحرائقُ فِي دولِ عدمِ الاستقرارِ إلى دولٍ أُخْرَى فِي الشرقِ الأوسطِ.
الخطوة الضرورية لإطفاء الحرائق، هي السعي إلى توسيع واحة الاستقرار والرخاء في المنطقة، وذلك بحماية أنظمة الاستقرار، وتشجيع التلاحم فيما بينها، وجعل المنافسة فيها أكثر صحية، وتشجيع الآخرين على نقل تجربة الإصلاح، والتي يقودها الأمير محمد بن سلمان، ولي عهد المملكة العربية السعودية، إلى بلدانهم وتجربة الأنظمة التي تطبق في دول الاستقرار والرخاء بدعم من مجلس التعاون الخليجي. حتى لا يسقط كامل الشرق الأوسط في الفوضى، التِي ليستْ (خلَّاقةً)، وإنِّمَا مدمرةٌ ومضرَّةٌ بالشُّعوبِ قبلَ الحُكَّامِ.