Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
أ.د. صالح عبدالعزيز الكريّم

ضجيج الدماغ.. تفكير مفرط!!

A A
أقصدُ بكلمةِ ضجيجِ الدِّماغِ هنَا، إشغالَ الدِّماغِ والعقلِ بمَا يَسْوَى وَمَا لَا يَسْوَى مِن الأفكارِ، ووصفتهُ بأنَّهُ تفكيرٌ مفرطٌ؛ لأنَّ الدِّماغَ ينشغلُ بالأفكارِ التِي تردُ إليهِ مِن جهاتٍ متعدِّدةٍ انشغالًا زائدًا عَن حدِّهِ ويعطيهَا حجمًا أكبرَ مِن حجمِهَا؛ ممَّا يكونُ لهُ آثارٌ سلبيَّةٌ علَى حياةِ الإنسانِ، ويُعدُّ ذلكَ مِن سوءِ حالِ البالِ الذِي هُو عكسُ صلاحِ البالِ، تلكَ السِّمةُ التِي ذكرَهَا القرآنُ الكريمُ كناحيةٍ إيجابيَّةٍ فِي الحياةِ، وكمنَّةٍ مِن اللهِ سبحانَهُ وتعالَى علَى عبادهِ المؤمنِينَ: (وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَآمَنُوا بِمَا نُزِّلَ عَلَىٰ مُحَمَّدٍ وَهُوَ الْحَقُّ مِن رَّبِّهِمْ كَفَّرَ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَأَصْلَحَ بَالَهُمْ).

إنَّ صلاحَ البالِ، وعدمَ ضجيجِ الدِّماغِ مِن لوازمِ الاستقرارِ النفسيِّ، والاستقرارُ النفسيُّ لهُ ارتباطٌ بيولوجيٌّ وثيقٌ بكلِّ الأعضاءِ البيولوجيَّةِ الحسَّاسةِ عندَ الإنسانِ بمَا فِي ذلكَ الدِّماغُ الذِي يعتبرُ الموجِّهَ الأساسَ والعصبيَّ لحركةِ الأعضاءِ الداخليَّةِ والخارجيَّةِ فِي جسمِ الإنسانِ.

فمن إفرازات التفكير المفرط، هو المبالغة في تقييم الأشياء في الحياة، وزيادة معدل الاحتراق النفسي الداخلي، دون الحاجة إلى ذلك، من خلال اجترار الأفكار والقلق المصاحب لها بشأن أمور معينة اجتماعية، أو وظيفة شخصية وغير شخصية، مما ينعكس على الصحة العقلية ذهنياً وبيولوجياً لعدم القدرة على إيقافها دماغياً.

إنَّ التفكيرَ المفرطَ بكلِّ نواحيهِ البيولوجيَّةِ وإفرازاتِهِ النفسيَّةِ قدْ يكونُ سببهُ ليسَ باليدِ أيّ يكونُ وراثيًّا، لكنْ معَ هذَا يبقَى أنَّ اللهَ سبحانَهُ وتعالَى أعطَى الإنسانَ مساحةً لإمكانيَّةِ الحدِّ منه، وتجنُّب ضررِهِ، وهُو يدخلُ مِن ضمنِ قولِهِ تعالَى: (بَلِ الْإِنسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ)، والنظريَّةُ البيولوجيَّةُ الحديثةُ تؤكِّدُ هذَا، وتشرحهُ مِن خلالِ مَا فوق الوراثةِ مِن عواملَ لهَا دورٌ إيجابيٌّ للتغلُّبِ علَى النَّواحِي الوراثيَّةِ أو علَى الأقل الحَد منهَا، كمَا فِي حالةِ التفكيرِ المفرطِ وقدْ شرحتُهَا بالتَّفصيلِ فِي مقالٍ سابقٍ بعنوانِ «أسبابِ العافيةِ»، وهِي: النَّومُ، والرياضةُ، والغذاءُ، والاستقرارُ النفسيُّ، والعلاقاتُ الاجتماعيَّةُ، فالتفكيرُ المفرطُ الذِي نهايتهُ إزعاجٌ للعقلِ وشوشرةٌ علَى حياةِ الإنسانِ دماغيًّا ويتسبَّبُ فِي عدمِ النَّومِ أحيانًا، أو طولِ التفكيرِ، وعدمِ الراحةِ النفسيَّةِ والعقليَّةِ، والقلقِ تكونُ أهمُّ وسيلةٍ لقطعِ دابرِهِ هُو عدمُ الاسترسالِ فيهِ واستبدالُ بتلكَ اللَّحظاتِ التفكيريَّةِ السلبيَّةِ لحظاتٍ إيجابيَّةً عقليَّةً وقلبيَّةً ونفسيَّةً، العقليَّةُ بالانصرافِ إلى الألعابِ ذات الارتباطِ بالذِّهنِ والعقلِ، وهِي كثيرةٌ، ومن القلبيَّةِ والنفسيَّةِ ذكرُ اللهِ وحضورُ الصلواتِ والدُّعاء، وهناكَ وسائلُ إضافيَّةٌ ومهمَّةٌ للتخلُّصِ مِن التفكيرِ المفرطِ مثل الوسيلةِ البدنيَّةِ بالرياضةِ، والوسيلةِ الوقتيَّةِ بملءِ الفراغِ بالعملِ الاجتماعيِّ والإنسانيِّ، والوسيلةِ العمليَّةِ بالالتهاءِ فِي العملِ التخصصيِّ والوظيفيِّ؛ لأنَّ أهمَّ مَا يمدُّ العقلَ بالتفكيرِ المفرطِ هُو الفراغُ وخاناتهُ التِي تقودُ مِن تفكيرٍ إلى تفكيرٍ، ومِن وسوسةٍ إلى وسوسةٍ، وهناكَ تقنياتٌ اضافيَّةٌ منهَا تقنيةُ التاءاتِ الأربعةِ (التَّجنُّبُ، التَّغييرُ، التَّقبُّلُ، التَّكيُّفُ) للتَّحكُمِ فِي تعديلِ التفكيرِ المفرطِ، جاءَ ذكرُهَا فِي بعضِ كتبِ الدِّراساتِ النفسيَّةِ، وسأشرحُهَا بالتَّفصيلِ فِي مقالٍ مستقلٍّ -بإذنِ اللهِ-.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store