ضمَّنِي لقاءٌ معَ بعضِ الأصدقاءِ، وكانَ الحديثُ عَن الوقفِ وبركتِهِ وأهميَّتِهِ، أشار بعضُهم إلى أنَّ التوعيةَ بأهميَّةِ الوقفِ، وكذَا انتشارِ ثقافتِهِ محدودةٌ، خاصَّةً بينَ رجالِ الأعمالِ والميسورِينَ. إنَّ للمالِ وظيفةً اجتماعيَّةً مهمَّةً جدًّا، واعتبرَها اللهُ -سبحانَهُ وتعالَى- حقًّا لهُ، ليسَ للإنسانِ فيهِ منَّةٌ علَى خلقِهِ، فآفةُ المالِ وتآكلهُ وعدمُ البركةِ فيهِ منبعهَا عدمُ أداءِ حقِّ اللهِ فيهِ، من زكاةٍ وصدقةٍ ووقفٍ خيريٍّ، ينفعُ الإنسانَ فِي دنياهُ وآخرتِهِ.
القليل من الأغنياء من يفكر أن يكون له وقف يصلح به دنياه ويدخره لآخرته، كما الحال في الوقف الناجح والمبارك، الذي نفذه الشيخ سليمان الراجحي -حفظه الله- وكيف أنه كان نموذجاً في ذلك، فالوقف الخيري وتنوعه وتعدد أهدافه وأغراضه هو ما يجب أن يأخذ حظه اليوم في المجتمع توعية وانتشاراً، وفعلًا ألمس هذه الايام بداية تحرك لذلك.
ذكرتُ للأصدقاءِ بمناسبةِ الحديثِ عَن الصَّدقةِ والوقفِ، تجربةً بسيطةً للوالدةِ -رحمهَا اللهُ رحمةً واسعةً- معَ الوقفِ العينيِّ الممتدِّ فِي المدينةِ المنوَّرةِ، والذِي اعتبرهُ مِن بناتِ أفكارِهَا، وهُو التصدُّقُ بالأغنامِ علَى الفقراءِ والمحتاجِينَ؛ ليستفيدُوا منهَا، حيثُ كانتْ تربِّي وتملكُ عددًا كبيرًا منهَا، كانتْ طريقتهَا فريدةً فِي التصدُّقِ، حيثُ إنَّها تمنحُ مَن يأتيِهَا من المحتاجِينَ والفقراءِ غنمةً (جفرةً)، تكونُ فِي بدايةِ حملِهَا وتشترطُ عليهِ -إضافةً للاستفادةِ منهَا- أنْ يحافظَ علَى سلالتِهَا إذَا أنجبتْ «إناثًا»، ألَّا يأكلهَا، وتبقَى للإنجابِ وتوارثِ الذريَّةِ، وهكذَا تبقَى الصَّدقةُ جاريةً وقفًا عينيًّا مستمرًّا وممتدًّا يستفيدُ منهُ الفقراءُ كسلالاتٍ باقيةٍ مِن تلكَ الأغنامِ إلَى يومِنَا هذَا، ومَا فعلتهُ الوالدةُ هُو كونهَا فقطْ تتصدَّقُ بالأُنثَى مِن الأغنامِ دونَ الذكورِ، فوجدتُ أنَّ هذَا الفعلَ يتماشَى معَ شرطِ إخراجِ زكاةِ الغنمِ عندَ الحنابلةِ والشَّافعيَّةِ بضرورةِ أنْ تكونَ زكاةُ الغنمِ «أُنثَى»، ولَا يُجزِئ زكاةُ الذَّكرِ معَ وجودِ الأُنثَى، وقدْ وردَ فِي الحديثِ عَن رسولِ اللهِ -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ- قولُهُ: «فِي كلِّ أربَعِينَ شاةً، شاةٌ» ولعلَّ ذلكَ يؤيِّدُ فكرةَ الاستفادةِ منهَا؛ كَي تستمرَّ بالإنجابِ والتكاثرِ، وبالتَّالِي يستفيدُ منهَا الفقراءُ أكثرَ، كمَا يفضَّلُ أنْ تكونَ زكاةُ الغنمِ شاةً فِي عمرِ سنةٍ حتَّى يُتاحُ لمَن يأخذهَا مِن الفقراءِ أنْ تتكاثرَ عندَهُ فترةً أكثرَ، ولَا يجوزُ أنْ تُعطَى زكاةُ الغنمِ مذبوحةً، إنَّما تُعطَى للفقراءِ حيَّةً، وهُو يتصرَّفُ بهَا كمَا يشاءُ، وكونهَا أُنثَى وحاملاً كمَا كانتْ تفعلُ الوالدةُ، فإنَّ ذلكَ يمنحُ الفقيرَ مزيدًا مِن الخيرِ ويُعدُّ كالوقفِ، فعندمَا ذكرتُ ذلكَ للأصدقاءِ، وشرحتُ فكرةَ الوالدةِ فِي التصدُّقِ واعتبار ذلكَ منهَا وقفًا كونهَا صدقةً أصرَّ عليَّ الصديقُ العزيزُ الأستاذُ عبدالعزيز رحيمي، أنْ أذكرَ ذلكَ فِي مقالٍ؛ ليستفيدَ النَّاسُ مِن الفكرةِ للتَّسويقِ لفكرةِ الوقفِ الخيريِّ الممتدِّ، وهُو سرٌّ مِن أسرارِ زكاةِ الأنعامِ، خاصَّةً الأغنامَ التِي فيهَا تفصيلٌ فِي زكاتهَا: نصابهَا وشروطهَا وأعدادهَا وكيفيَّة إخراجهَا.