* قبلَ أيَّامٍ وصلَنِي مقطعٌ مرئيٌّ لـ(رجلٍ هَرِمٍ)، يَشتكِي بدموعٍ نازفةٍ، عقوقَ أبنائِهِ الذِينَ ألقُوا بِهِ فِي (دارِ المسنِّينَ)، جاحدِينَ إِفناءَهُ لعمرِهِ فِي تربيتِهِم، والصَّرفِ عليهِم. دموعهُ التِي تساقطتْ كالمطرِ علَى مُحيَّاهُ الطَّيبِ فيهَا إنذارٌ للمجتمعِ، فإذَا كانتْ مأساةُ ذلكَ الشَّيخِ قدْ وصلتْ لمواقعِ التَّواصلِ، فإنَّ غيرَهُ يعانِي بصمتٍ وخلفَ الأبوابِ المُغلقةِ، وتكفِي زيارةٌ لـ(دورِ العجزةِ) لتظهرَ الحقيقةَ الغائبةَ!
*****
* وهُنَا كمْ أتمنَّى أنْ تكونَ هناكَ أنظمةٌ صارمةٌ تُعاقبُ -بحزمٍ- مَن يَعقُّ والدَيهِ. وكمْ أتمنَّى التَّفتيشَ فِي دورِ المُـسنِّينَ؛ فمَن كانَ منهُم لهُ «أبناءٌ وبناتٌ» علَى قيدِ الحياةِ، تتمُّ مناصحتُهُم مِن لجانٍ متخصِّصةٍ، تملكُ الخبرةَ والإقناعَ بالحُسنَى، فإنْ لمْ يستجيبُوا تتمُّ محاسبتُهُم وفقَ القانونِ، وإجبارُهُم علَى العنايةِ بوالديهِم!
*****
* أيضًا مَا أرجُوه أنْ لَا يلهينَا رِتمُ الحياةِ السَّريعُ، ومطادرةُ مستجدَّاتِهَا، والرَّكضُ هنَا وهناكَ؛ طلبًا لِلُقمةِ العَيشِ عَن رفعِ (لواءِ بِرِّ الأبناءِ بالآباءِ)، وغرسِهِ فِي نفوسِ الناشئةِ، وإعادتِهِ إلى قلوبِ فئةٍ قَستْ، فعقَّتْ. وتلكَ مسؤوليَّة أرَى أنَّها تقعُ علَى المجتمعِ بمؤسَّساتِهِ المدنيَّةِ والحكوميَّةِ، وكذَا علَى عاتقِ مختلفِ محاضنِهِ التربويَّةِ ومنابرِهِ ومنصَّاتِهِ الإعلاميَّةِ!
*****
* فالمدارسُ لهَا رسالتُهَا المهمَّةُ فِي هذَا الميدانِ، وكذلكَ العلماءُ، والدُّعاةُ، وأئمَّةُ المساجدِ، وخُطباءُ الجُمعةِ، إضافةً إلى المثقَّفِينَ والمَشاهِيرِ، ووسائلِ الإعلامِ بمختلفِ أدواتِهَا الحديثةِ والتقليديَّةِ، علَى أنْ يكونَ ذلكَ فِي حملةٍ توعويَّةٍ ممنهجةٍ ومؤسَّسيَّةٍ ومستمرةٍ، تستثمرُ البرامجَ والتقنياتِ الحديثةَ.
*****
* أخيرًا، وبمَا أنَّ (حبيبَتِي المدينة المنوَّرة) هِي مدينةُ النُّورِ والإنسانيَّةِ، وهِي منطلقٌ للمبادراتِ، وعنوانٌ دائمٌ للأَوَّليَّاتِ، هذَا رجاءٌ أرفعُهُ لإمارةِ المنطقةِ والمؤسَّساتِ المعنيَّةِ فيهَا؛ لإطلاقِ مبادرةِ أو برنامجِ (برُّوا بِهِم)، التِي هدفُهَا أنْ تكونَ المدينةُ النبويَّةُ (مَوطنًا وعاصمةً لبرِّ الوالدَينِ)، وخاليةً تمامًا مِن مظاهرِ عقوقِهِم.