قطعت المملكة شوطاً بعيداً في سبيل ترقية منظومتها الصحية؛ وتطوير الخدمات المقدمة للمرضى، حيث باتت تنافس أرقى الدول المتقدمة في هذا المجال، للدرجة التي جعلت السعودية ضمن الوجهات التي يقصدها الكثيرون للعلاج، للاستفادة من بيئتها الطبية المتطورة، ووجود أفضل العناصر البشرية المؤهلة، وتوفر أحدث الأجهزة الطبية.
هذه الحقيقة ظهرت بوضوح خلال مؤتمر القلب العالمي 2024، الذي نظمه تجمع الرياض الصحي الأول خلال اليومين الماضيين، بالتعاون مع جمعية القلب السعودية، وبحضور معالي وزير الصحة فهد الجلاجل، وسط إقبال كبير من الزوار الذين حرصوا على الاطلاع على أحدث الحلول والتقنيات في مجال الرعاية الصحية للقلب.
وسلّط المؤتمر الضوء على آخر ما توصل إليه العلم في مجال علاج وجراحة أمراض القلب، مع التركيز على الابتكارات الجديدة التي من شأنها تحسين جودة الرعاية الصحية، وتقديم حلول متطورة للمرضى. وامتاز بالعديد من ورش العمل العلمية والجلسات الحوارية التي شارك فيها نخبة من الخبراء الدوليين والمحليين، حيث ناقشوا أبرز التحديات والفرص في هذا المجال الحيوي.
ويعود التطور الملحوظ الذي شهدته منظومة الخدمات الطبية في المملكة خلال السنوات الماضية؛ إلى الخطط العملية الطموحة التي جاءت بها رؤية المملكة 2030، التي اهتمت بهذا القطاع، وطالبت بتحسين جودة الخدمات الصحية وتطويرها، لأن الإنسان السليم صحياً هو الأقدر على تحقيق متطلبات التنمية المستدامة.
هذا التطور الملحوظ هو نتاج مشترك للعديد من النجاحات التي حققها القطاعان العام والخاص، وهو ما قاد إلى ترقية المنظومة الصحية في السعودية، وأصبحت بيئة جاذبة للاستثمار الأجنبي، لا سيما في ظل توجه الدولة نحو خصخصة القطاع الطبي، وتعظيم دور القطاع الخاص، حيث يتوقع أن يكتمل قريباً نقل معظم المؤسسات الصحية للقطاع الخاص ضمن مشروع الخصخصة.
ومما لا شك فيه أن الخصخصة سوف تسهم في تحسين جودة الخدمات الصحية وضمان استدامتها المالية، ويحفز الشركات على تبني أحدث التقنيات والتطورات التقنية المتقدمة بما فيها الذكاء الاصطناعي.
هذا الاتجاه الصائب يستدعي من القطاع الخاص تكثيف جهوده لترقية الخدمات المقدمة للمستفيدين وأصحاب المصلحة، حتى يكون قادراً على تلبية متطلبات المرحلة المقبلة التي ستكون بكل تأكيد مختلفة عن سابقتها، فعلى الرغم من وجود مؤسسات طبية سعودية خاصة في المملكة، بها من الإمكانات ما يؤهلها لمنافسة كثير من نظيراتها في الدول المتقدمة، استناداً إلى ما تمتلكه من أجهزة طبية متطورة، وكوادر بشرية على درجة عالية من التأهيل والخبرة، إلا أن الحاجة لا زالت ماسة لمضاعفة تلك المؤسسات، بسبب اتساع السوق السعودية، وإقبال أعداد كبيرة من المرضي والباحثين على الصحة من مختلف دول العالم على الاستشفاء في بلادنا، لانخفاض تكلفة العلاج مقارنةً بالدول الغربية.
كذلك فإن قيادتنا الرشيدة، وضمن جهودها للعناية بالمواطن، وتقديم أرقى الخدمات له، اهتمت بضرورة توفير نمط متقدم من الرعاية الصحية المستدامة. ولا تقتصر هذه الخدمات على الرعاية الصحية الأولية، فهي كثيرا ما تتكفل بعلاج المرضى الذين يعانون من أمراض مزمنة أو نادرة، ومن هؤلاء من يتم تخصيص طائرات إخلاء خاصة تقوم بنقلهم للخارج، مما يستلزم نفقات مرتفعة ومبالغ طائلة؛ يمكن توفيرها إذا وجدت إمكانية العلاج بالداخل.
لذلك فإن اتجاه الدولة نحو خصخصة الخدمات الطبية يمثل فرصاً استثمارية متميزة، إضافة إلى أنه يسهم في تحقيق «الأمن الصحي» الذي يمثل درجة عالية من الأهمية، تسعى كافة الدول إلى تحقيقه، وفق متطلبات رؤية المملكة 2030. ولا ننسى أن هذا الاتجاه يسهم أيضاً في توفير فرص عمل للعديد من الشباب السعوديين؛ الذين تخرجوا من كليات الطب والصيدلة والتمريض.
لذلك فإن الكرة الآن باتت في ملعب القطاع الخاص؛ للاستفادة من الفرص العديدة المتاحة الآن، فالدولة قامت بتحديث العديد من الأنظمة التي تتيح بيئة مثالية للعمل، وقدمت الكثير من التسهيلات وحزم الدعم المتعددة؛ التي من شأنها المساعدة على إيجاد نظام طبي متطور يسهم في تعزيز مكانة المملكة ويظهر صورتها الناصعة للعالم.