Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
طارق علي فدعق

ركنــــــــــــة

A A
العنوان يعني تقليص أهمية الشيء، أو التخلص منه تماماً. وهناك مجموعات من الركنات التي تستحق وقفات تأمل سأبدأها بإحدى المفاجآت من عالم الطيران التجاري: في عام 1982 قدمت شركة «بوينج» الأمريكية طائرة ناجحة جداً للرحلات المتوسطة والطويلة. كان طراز 757 من أفضل الطائرات التجارية نظراً لفعاليتها، ومرونتها، واقتصادياتها.. أضف إلى ذلك أنها كانت تتميز بالأداء العالي لفئة الحمولات المتوسطة من حوالى 200 إلى 250 راكب. وبالرغم من نجاحها، قررت الشركة عام 2004 أن توقف خط الإنتاج، ولم تستبدل المنتج الناجح، فتركت فجوة في عالم الطيران التجاري، واليوم ترى الشركة نتيجة القرار غير الحكيم، وبالذات من شركة إيرباص المنافسة بطائرتها من طراز 321 التي تألقت في تلك الفئة.. ومن الأمثلة الأخرى على الأرض، نجد قصة من شركة تويوتا، حيث كانت سيارة «الكريسيدا» من أفضل منتجاتها.. جمعت بين المتانة، والمرونة، والاقتصاد، والجودة، والشكل، بل وحتى الاسم. وبالرغم من نجاحها الهائل، وبالذات في أسواق الخليج، خلال الفترة من 1973 إلى 1992.. تم ركنها بالكامل ولم تعد، وكانت من أكبر المفاجآت في عالم السيارات.. ومن أسباب الحزن لي شخصياً.. ولمئات الآلاف من عشاقها.. وهناك العديد من الأمثلة الأخرى على منتجات رائعة تم ركنها لأسباب تجارية، أو فنية، أو حتى ربما لأسباب شخصية.. ولكن على صعيد آخر، نجد قصص ركنات تم إنقاذها بطرق غير متوقعة، ومنها قصص التصوير الضوئي التي لا يدركها معظم البشر.. كانت عملية التصوير أيام زمان تشمل «تحميض» الأفلام.. وهي عبارة عن تحولات كيميائية مذهلة أشبه بأنشطة معامل الكيمياء في المدارس.. كانت تتم من خلالها تحويل نعمة الضوء بحرص داخل غرفة داكنة؛ إلى صور فوتوغرافية على أسطح أوراق خاص. وكان السر في هذه العملية المعقدة هو مادة «يود الفضة». ونظراً للتطورات في عالم التصوير الرقمي خلال الثلاثين سنة الماضية، تقلصت أهمية التحميض، وأهمية مادة يود الفضة عالمياً فأصبحت شبه مركونة.. ولكنها عادت في استخدامات غير متوقعة وأهمها الاستمطار، الذي يتم من خلالها رش جزيئات تلك المادة لاستحداث المطر صناعياً. وسبحان الله أن جزيئاتها سداسية الشكل، ملائمة لتكوين أنوية لتكوين الأمطار.. وننتقل في عالم إعادة استخدام الطاقات المركونة من عالم التصوير إلى عالم الفضاء، لنجد قصة صواريخ «ساتورن» الأمريكية العملاقة التي استخدمت في برنامج «أبولو» لاستكشاف القمر الذي بدأ عام 1961.. وتم إلغاؤه بالكامل في 19 ديسمبر 1971. جاء ذلك بعد زيارة القمر من 24 إنسان، والهبوط على سطحه من 12 رائد فضاء.. كانت الصواريخ المكلفة موجودة، وجاهزة، ولكن بدلاً من «الركنة»، تم تطوير تصميم بعض منها لمهمة فضائية جديدة لا علاقة لها بالقمر. أصبحت صواريخ «ساتورن» العملاقة هي أساس المعمل الفضائي «سكاي لاب». ومن هنا بدأت مرحلة المحطات الفضائية الأمريكية من مايو 1973 إلى فبراير 1974.. وهناك العديد من قصص الإبداع الأخرى لتجنب الركن غير الحكيم.

* أمنيــــــــة:

هناك ما هو أهم من كل ما جاء أعلاه، وهو ركن القدرات البشرية القادرة على العطاء.. وهذا الركن يأتي في زمن ارتفعت فيه التوقعات العمرية.. تخيّل عدد الذين سيتم إحالتهم إلى التقاعد خلال قراءتك لهذا المقال، بالرغم من قدراتهم المتميزة على العطاء في مجالات مختلفة.. في العديد من المجالات نجد أن القدرة على العطاء غير مقرونة بالأعمار الزمنية، ومنها على سبيل المثال مهن الطب، والتدريس، والهندسة، والعمارة، والطيران. أتمنى أن يُعاد النظر في الاستغناء عن الكوادر المؤهلة القادرة على العطاء بمشيئة الله، وهو من وراء القصد.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store