Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
د. علي آل شرمة

أفراح سعودية متواصلة.. في ذكرى اليوم الوطني

A A
ذِكرَى طيبةٌ يعيشُهَا السعوديُّونَ هذهِ الأيَّام، يسترجعُونَ فيهَا تلكَ اللَّحظاتِ الخالدةَ، عندمَا أعلنَ الملكُ المؤسِّسُ المغفورُ لهُ -بإذنِ اللهِ- عبدالعزيز آل سعود قيامَ المملكةِ العربيَّةِ السعوديَّةِ دولةً مستقلَّةً ذاتَ سيادةٍ؛ صبيحةَ يومِ الحادِي والعشرِينَ مِن جُمادَى الأُولَى 1351هـ، ليشهدَ التاريخُ ميلادَ دولةٍ فتيَّةٍ، سرعانَ مَا بدأتْ تشقُّ طريقَهَا نحوَ مراقِي المجدِ والعُلَا، واستطاعتْ فِي غضونِ سنواتٍ قلائلَ أنْ تصبحَ إحدَى كُبْرَى الدُّولِ علَى مستوَى العالمِ، والدَّولةُ التِي تسهمُ فِي استقرارِ الاقتصادِ العالميِّ عبرَ ضمانِ أسعارٍ عادلةٍ.

كانتْ جزيرةُ العربِ فِي تلكَ الأيَّامِ مرتعًا للفوضَى وغيابِ الأمنِ، وكانتْ تعيشُ حالةَ انفلاتٍ أمنيٍّ، حيثُ تكثرُ الحروبُ، ويعششُ الفقرُ فِي كلِّ الأنحاءِ. فأشرقتِ الشَّمسُ ذاتَ يومٍ علَى قائدٍ مُلهَمٍ لمْ يحملْ معهُ مِن سلاحٍ، سِوَى صدقِ العزيمةِ وقوَّةِ الإرادةِ والتَّوكلِ علَى اللهِ، فكسبَ قلوبَ الجميعِ، وأقنعَهُم بالالتفافِ حولَهُ، وقادَهُم لتغييرِ ذلكَ الواقعِ المُظلمِ، وسارَ بهِم نحوَ الأفضلِ، فتحقَّقَ لهُم مَا أرادُوا، وشهدتِ البلادُ نهضةً وازدهارًا.

ولأنَّ جميعَ الأخيارِ كانُوا يتوقُونَ للأفضلِ، فقدْ تداعَى الصَّادقُونَ مِن كافَّةِ أنحاءِ البلادِ، وانضمُّوا لركبِ الملكِ الصَّالحِ الذِي عاهدَ اللهَ علَى أنْ يبسطَ العدلَ، ويحفظَ الأمنَ، فقادَ أنصارَهُ متسلِّحًا بعزيمةٍ لَا تلينُ، وإرادةٍ لَا تُقهر، وإِيمانٌ باللهِ لَا ينقطعُ، فكانَ التَّوفيقُ حليفَهُ، والنَّجاحُ رفيقَهُ. واكتملتِ المهمَّةُ فِي زمنٍ قياسيٍّ وجيزٍ.

لمْ يتحقَّق ذلكَ بسهولةٍ، ولمْ يأتِ عَن طريقِ الصدفةِ، بلْ كانتْ نتاجًا لرحلةٍ طويلةٍ مِن المجاهداتِ وتحدِّي الصِّعابِ، لكنْ لأنَّ النُّفوسَ كانتْ صادقةً، والعزيمةَ قويَّةً؛ فقدْ استطاعَ الملكُ المؤسِّسُ وأصحابُهُ الكِرامُ أنْ يُطوِّعُوا المستحيلَ، ويتجاوزُوا الصِّعابَ والعقباتِ، ويسطِّرُوا اسمَ بلادِهم علَى جبينِ التاريخِ بأحرفٍ مِن نورٍ.

ولمْ يكنْ إعلانُ قيامِ الدولةِ هُو الغايةُ، بلْ كانَ بدايةً نحوَ رحلةٍ طويلةٍ مِن البذلِ والعطاءِ، وحيثُ كانتْ للملكِ المؤسِّسِ رؤيةٌ واضحةٌ، ورغبةٌ قويَّةٌ في قيادةِ بلادِهِ نحوَ النهضةِ والتطوُّرِ، فقدْ حرصَ علَى بسطِ سيادةِ القانونِ، وإنشاءِ منظومةٍ تشريعيَّةٍ تحفظُ الحقوقَ وتقيمُ العدالةَ وتحقِّقُ المساواةَ بينَ جميعِ المواطنِينَ، وكلُّ ذلكَ لأنَّ المؤسِّسَ كانَ يدركُ -بمَا وهبهُ اللهُ مِن حكمةٍ وبصيرةٍ- أنَّ العدلَ هُو أساسُ المُلكِ، وأُولَى لَبِناتِ التقدُّم والتطوُّرِ، والمدخلُ الرئيسُ نحوَ الأمنِ والاستقرارِ.

لذلكَ بدأَ التحدِّي الحقيقيُّ، وهُو الإعمارُ والبناءُ وبسطُ الأمنِ والاستقرارِ. فرفعَ الملكُ عبدالعزيز شعارَ الحقِّ والعدلِ والمساواةِ بينَ أبناءِ البلادِ جميعهم، دونَ تغليبٍ لأيِّ اعتباراتٍ مناطقيَّةٍ، أو عرقيَّةٍ، أو مذهبيَّةٍ، فتبارُوا فِي خدمةِ وطنِهِم، وأعلنُوا الولاءَ التَّامَ والطاعةَ الكاملةَ لولاةِ أمرهِم.

لذلكَ، فإنَّ هذهِ الذكرَى الطيِّبةَ تكتسبُ أهميَّةً خاصَّةً فِي نفوسِ السعوديِّينَ، تمتلئُ فيهَا دواخلُهُم بالفخرِ والاعتزازِ، وترتفعُ فيهَا رؤوسُهم حتَّى تكادَ تلامسُ السَّماءَ، ويتسابقُونَ لإعلانِ وتأكيدِ الانتماءِ والولاءِ والوفاءِ لهذهِ البلادِ العظيمةِ؛ التِي أكرمَها اللهُ -سبحانَهُ وتعَالَى- بأنْ جعلَهَا مهبطَ وحيِّهِ وحاضنةً للمسجدِ النبويِّ والمسجدِ الحرامِ، والنقطةِ التِي انطلقَ منهَا نورُ الإسلامِ، ليشملَ العالمَ أجمعَ.

وممَّا يُكسبُ هذهِ المناسبةَ الخالدةَ أهميَّةً خاصَّةً، ويجعلُ للاحتفالاتِ طعمًا مختلفًا؛ أنَّها تأتِي فِي وقتٍ تقطعُ فيهِ بلادنَا خطواتٍ واسعةً فِي طريقِ التنميةِ والرفاهيَّةِ علَى هديِّ رؤيةِ المملكةِ 2030، التِي أصبحتْ نبراسًا تسيرُ عليهِ كافَّةُ أجهزةِ الدولةِ ومؤسَّساتهَا، فكانتْ رؤيةً صادقةً عكستِ الواقعَ بكافَّةِ تفاصيلِهِ، واستصحبتِ الأحلامَ والطُّموحاتِ، فكانتْ مزيجًا فريدًا، أسهمَ فِي توفيرِ تصوُّراتٍ وافيةٍ وخططٍ علميةٍ لكافَّةِ جوانبِ الحياةِ السياسيَّةِ والاقتصاديَّةِ والاجتماعيَّةِ والثقافيَّةِ، فتحقَّقَ النَّجاحُ المطلوبُ فِي سنواتٍ قلائلَ، واستحقَّتْ بلادُنَا الإشادةَ والتَّقديرَ.

ولم يكن لتلك الإنجازات أن تتحقق، لولا فضل الله أولا، ثم هذه القيادة الحكيمة، التي تعمل ليل نهار لأجل ترقية حياة شعبها وزيادة رفاهيته. لذلك فإن الواجب الوطني يستوجب منا ألا نكتفي بإظهار مشاعر الفرح والسرور، وأنْ نتكاتف مع ولاة أمرنا، وأن نضاعف من معاني الولاء والانتماء إلى تصرفات إيجابية في حياتنا اليومية، ونبذل المزيد من الجهود لأجل ترقية واقعنا، وتحسين معيشتنا، وضمان رفاهية أجيالنا المقبلة.

لذلكَ، فإنَّنا مطالبُونَ جميعًا بأنْ يشعرَ كلُّ واحدٍ منَّا أنَّ تحقيقَ مصلحةِ هذَا الوطنِ هُو مسؤوليَّته الشخصيَّة قبلَ غيرهِ، وعلينَا إظهارُ المزيدِ مِن التلاحمِ والتفاعلِ مع ولاةِ الأمرِ والمسؤولِينَ؛ عبرَ الالتزامِ والتقيُّدِ بالأنظمةِ والقوانين، ونبذِ كلِّ أنواعِ السلبيَّةِ واللامبالاةِ، والوقوفِ صفًّا واحدًا ضدَّ محاولاتِ التَّشكيكِ ومواجهةِ المتربِّصِينَ، فهذَا الوطنُ العظيمُ يستحقُّ منَّا التَّضحيةَ لأجلِهِ بكلِّ مَا نملكُ.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store