Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
د. بكري معتوق عساس

نابليون: خذوا قلبي (ليُدفن) في فرنسا!!

A A
عَن كيفَ يكونُ حُبِّ الوطنِ؛ أقولُ مقتبسًا مَا قالَهُ أحدُ جبابرةِ التاريخِ، القائدُ العسكريُّ الفرنسيُّ، والذِي يُعدُّ أوَّلَ امبراطورٍ لفرنسَا «نابليون بونابرت»، وهُو علَى سريرِ الموتِ فِي منفاهُ خارجَ فرنسَا، قالَ: «خُذُوا قلبِي ليُدفنَ فِي فرنسَا».

فالوطنُ هُو الحضنُ الدافئُ، الذِي يحوِي كلَّ أبنائِهِ، وبناتِهِ، شبابِهِ، وشيوخِهِ، وهُو المكانُ الذِي مهمَا ابتعدَ الإنسانُ عنهُ، فإنَّهُ يبقَى دائمًا قلبهُ معلَّقًا بِهِ، ويتمنَّى العودةَ إليهِ عندمَا يغادرُ إلى خارجِهِ، ويبقَى الحنينُ والشوقُ لهُ.

إنَّ تعلُّقَ الإنسانِ بأرضِهِ ووطنِهِ هُو شيءٌ طبيعيٌّ، وتصرُّفٌ فطريٌّ، غريزيٌّ؛ لأنَّ الإنسانَ يشعرُ بالأمنِ والأمانِ، وهُو فِي وطنِهِ، فهناكَ علاقةٌ بينَ الإنسانِ ووطنِهِ، وأرضِهِ، وترابِهِ، وناسِهِ، وسمائِهِ، وكلِّ شيءٍ فيهِ، فحياتُهُ وذكرياتُهُ كلُّهَا عاشَهَا فوقَ أرضِهِ وتحتَ سمائِهِ.

إنَّ ديننَا الإسلاميَّ الحنيفَ يحثُّنَا علَى الولاءِ والوفاءِ للأوطانِ وحبِّها والمحافظةِ عليهَا، فعندمَا أُجبرَ خيرُ خلقِ اللهِ، نبينَا محمد بن عبدالله -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم- علَى الخروجِ مِن وطنِهِ الذِي وُلدَ وتربَّى فيهِ «مكَّة المكرَّمة»، قالَ عندمَا أُجبرَ علَى فراقِهَا: (مَا أطيبكِ مِن بلدٍ، وأحبَّكِ إليَّ، ولولَا أنَّ قومَكِ أخرجُونِي مِنكِ مَا سكنتُ غيرَكِ)، إنَّه بذلكَ يعلِّمنَا -عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ- كيفَ يكونُ حُبُّ الوطنِ والانتماءُ إليهِ.

إنَّ حُبَّ الوطنِ لَا يكونُ بالعباراتِ، والكلماتِ، ولَا بالأشعارِ والمعلَّقاتِ، وإنَّمَا بالأفعالِ والإنجازاتِ؛ فيجبُ علينَا الدفاعُ والذودُ عَن وطنِنَا وحمايتُهُ، كمَا يجبُ أنْ نرتقيَ بهِ فِي كافَّةِ المجالاتِ العلميَّةِ، والأدبيَّةِ، والاقتصاديَّةِ، وغيرهَا مِن المجالاتِ الأُخْرَى.

والجميلُ أنَّ الوطنَ يستطيعُ الاستحواذَ علَى أفئدةِ أبنائِهِ وجوارحِهِم، حتَّى لوْ لمْ يكن الوطنُ ذَا طبيعةٍ جميلةٍ خلَّابةٍ، أو بهِ عددٌ مِن المواقعِ الجذَّابِةِ، والأماكنُ الخضراءُ الخلَّاقة، أو يمتازُ بالتطوُّرِ العمرانيِّ الرَّاقِي، بلْ إنَّ حُبَّ الإنسانِ لوطنِهِ الأُمِّ نابعٌ مِن غريزةٍ فطريَّةٍ، يشتركُ فيهَا الإنسانُ معَ غيرهِ، فيألفُ أرضَهُ ولوْ كانتْ قفرًا مستوحشًا، ويفضِّل أنْ يستريحَ إلى البقاءِ فِي وطنِهِ علَى علَّاتِهِ؛ وصدقَ الشَّاعرُ فِي هذَا حِينَ قالَ:

بلادٌ ألفنَاهَا عَلَى كلِّ حَالةٍ

وقدْ يُؤلفُ الشَّيءُ الذِي ليسَ بالحَسنِ

وتستعذبُ الأرضَ التِي لَا هواءَ بهَا

ولَا ماؤهَا عذبٌ ولكنَّهَا وطنُ

وقدْ قِيلَ إنَّ مِن علامةِ الرُّشدِ، أنْ تكونَ النَّفسُ إلَى وطنِهَا توَّاقةً، وإلَى مسقطِ رأسِهَا مشتاقةً؛ فكيفَ يكونُ الحُبُّ والاشتياقُ إذَا كانَ الوطنُ بلادَ الحرمَينِ الشَّريفَينِ، بيتَ اللهِ الحرامِ الذِي جَعلَهُ اللهُ -سبحانَهُ- مَثَابَةً لِلنَّاسِ وَأمْنًا، والمدينةَ المنوَّرة، حيثُ المهاجرُونَ والأنصارُ؛ والمَدينةُ خَيرٌ لَهُم لوْ كانُوا يعلمُونَ.

كيفَ يكونُ الحُبُّ إذَا كانَ الوطنُ هُو المملكةُ العربيَّةُ السعوديَّةُ؟

حمَى اللهُ وطنَنَا الغالِي المملكةَ العربيَّةَ السعوديَّةَ، وقيادتهَا، وشعبَهَا، مِن كلِّ سوءٍ، ومكروهٍ، وكلُّ عامٍ ووطننَا فِي أمنٍ وأمانٍ، ورفاهيَّةٍ واستقرارٍ، تحتَ رايةِ خادمِ الحرمَينِ الشَّريفَينِ الملكِ سلمانَ بن عبدالعزيز، ووليِّ عهدِهِ الأمينِ الأميرِ محمد بن سلمان -حفظهُمَا اللهُ ورعاهُمَا-. B.assas@hotmail.com

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store