Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
د.ساري بن محمد الزهراني

قوَّتي على مكافأة مَن أحسنَ إليَّ

سديم

A A
* في نهاية هذه الخلاصة، وفي هذه الزَّاوية الصغيرة، ستقرؤون تكملةً لتلك المقولة التي قال بها الإسكندر؛ ولكنَّني، عطفًا عليها، أحببتُ أنْ أصدر هذه الأسطر بما يعضِّد من دلالاتها ويثري معانيها.

* هناك بشر -وإنْ كانوا قلِّةً- تصارعهم أنفسهم لتقديم العون لكلِّ مَن يحتاج إليهم، يحملون في دواخلهم بذور الخيريَّة؛ فأياديهم فُضْلَى بالعون، وألسنتهم تفيض بالشُّكر والعرفان، وهناك أناسٌ أفعالهم تتبارَى بالنُّكران، وألسنتهم تلهج بالجحود..!!

* إنَّ كُتبَ التأريخ تطفح بالمثالين؛ وإنْ كانت مساحة النكران تبدو هي الرَّابح الأكبر، خاصَّة عند أصحاب النُّفوس الوضيعة؛ ولكنَّنا في المقابل لا نعدم من حضور المثال الأقوى، والشاهد الحي فيمن أشرأبت نفوسهم بقوائم العرفان، وتثمين المعروف، فهذه قصَّة مطعم بن عدي، حينما سعى في نقض الصَّحيفة التي علَّقتها قريش على الكعبة؛ لِما فيها من مقاطعة بني هاشم وبني المطلب؛ لأنَّهم ناصروا النَّبيَّ -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ-، ولأجل ذلك روى، محمد بنِ جُبير، عن أَبِيه؛ أَنَّ النَّبيَّ -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ- قَال في أُسارى بدرٍ: «لو كَان المُطعمُ بن عديّ حيًّا، ثمَّ كَلَّمني فِي هؤلاء النتنى، لَتَركتهُم لَه».

* إنَّ تلك الواقعة، بما تحمله من إقرارٍ بالعرفان، وتثمينٍ للموقف، لا تصدر -أبدًا- إلَّا من نفسٍ عظيمةٍ تتزيَّا بالأخلاق السَّامية، يعزُّ عليها أنْ تتنكَّر لأُولى الفضل والجميل، حتى ولو كان تثمين هذا العرفان لرجلٍ لم ينطق الشَّهادتَين كما هو حال المُطعم.

* وهذا أبو البختري كان في صفِّ المشركين يوم بدر، فنهى النَّبيُّ -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ- عن قتله، قال ابن هشام: قَال ابن إسحاق: وإنَّما نهى رسولُ الله -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ- عن قتل أبي البختري؛ لأنَّه كان أكفَّ القوم عن رسول الله -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ- وهو بمكَّة، وكان لا يؤذيه ولا يبلغه شيئًا يكرهه، وكان ممَّن قام في نقض الصَّحيفة التي كتبت قريش على بني هاشم وبني المطلب.

* ولهذا؛ فكلَّما كبرت النَّفسُ وتسامت بالوعي تعمَّق في داخلها الإقرار بالفضل، حتَّى ولو كان عملًا صغيرًا لا يكاد يُعتدُّ به في عالم الإنسان، فعندما بلغ سفيان بن عيينة، قتل جعفر بن يحيى، وما نزل بالبرامكة، حوَّل وجهه إلى الكعبة وقال: «اللَّهم إنَّه كان قد كفاني مؤونة الدنيا، فاكفه مؤونة الآخرة».

* وقد قِيل إنَّ الإمام أحمد بن حنبل مكث أربعين سنةً ما بات ليلة إلَّا ويدعو فيها للشَّافعيِّ وفاءً بمعروفه لتعليمه الفقه والأصول، وفي هذا السياق يقول الدكتور صموئيل جونسون: «إنَّ الاعتراف بالجميل هو ثمرةُ نبتةٍ عظيمةٍ، وأنت لا تجدُها بين الغلاظ من الناس».

* تذكَّروا دائمًا مقولة لإسكندر عندما قِيل له: «أيُّ شيءٍ أنت به أسرُّ؟، قال: قوَّتي على مكافأة مَن أحسنَ إليَّ بأحسنَ من إحسانه».

** فاصلة: سُئل حكيم: ما أضيع الأشياء؟ فقال: مطر الجود في أرض سبخة، وجارية حسناء تُزفُّ لأعمى، وسراج يوقد في الشَّمس، وصنيعة تُسدى لمن لا يشكرها.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store