تداولتْ وسائلُ التَّواصلِ الاجتماعيِّ خلالَ الأيامِ الماضيةِ؛ فيلمًا إبداعيًّا قصيرًا بعنوانِ: «حياةِ صديقٍ»، يوثِّقُ لتجربةِ أحدِ المقيمِينَ الهنودِ فِي المملكةِ، ويوضِّحُ طريقةَ تعاملِ السعوديِّينَ معَ مَن يعملُونَ لديهِم، ومَا يلقُونَهُ مِن تقديرٍ واحترامٍ، ومَا يحظُونَ بهِ مِن حياةٍ كريمةٍ، فيمَا يبدُو أنَّه محاولةٌ للردِّ علَى الفيلمِ سيئِ السُّمعةِ «حياة الماعزِ»، الذِي سَعَى بعضُ اليائسِينَ مِن ورائِهِ للإساءةِ إلى سمعةِ هذهِ البلادِ، ووصمِ أبنائِهَا بالعديدِ من التُّهمِ الباطلةِ.
وقدْ نالَ الفيلمُ القصيرُ -الذِي لمْ تتجاوزْ مدَّتهُ دقيقتَينِ- اهتمامًا كبيرًا، وحصلَ علَى إشادةٍ واسعةٍ من وسائلِ الإعلامِ الهنديَّةِ التِي أفردتْ حيِّزًا كبيرًا للحديثِ عنهُ، لاسيَّما وأنَّه كانَ مُترجَمًا إلى اللغةِ الإنجليزيَّةِ.
ورغمَ التقديرِ للجهودِ التِي بذلتهَا مؤسَّسةُ «نافذة الإعلامِ» التِي أنتجتْ هذَا العملَ، والمبادرة التِي تكتسبُ أهميَّةً بالغةً كونهَا تأتِي فِي وقتٍ تتزايدُ فيهِ محاولاتُ الإساءةِ للسعوديَّةِ، إلَّا أنَّنا نحتاجُ إلَى محاولاتٍ أُخْرَى أكثرَ تنظيمًا، ذلكَ لأنَّ أعداءَ هذهِ البلادِ يُخطِّطُونَ بطريقةٍ متقدِّمةٍ، ويرصدُونَ أموالًا ضخمةً لتنفيذِ مخططاتِهِم الإجراميَّةِ للتَّنفيسِ عَن أحقادِهِم الدفينةِ. لذلكَ فإنَّ ردَّ الفعلِ ينبغِي أنْ يكونَ بحجمِ الفعلِ، حتَّى يكتسبَ نفسَ قدرتِهِ علَى التأثيرِ المضادِّ، وإيضاح الحقائقِ.
بدءًا، فإنَّ من الأهميَّةِ أنْ تكونَ هناكَ حبكةٌ دراميَّةٌ جاذبةٌ للمشاهدِ، وأحداثٌ متسلسلةٌ بطريقةٍ مقنعةٍ ووقائعُ قابلةٌ للمتابعةِ، بدلًا عَن الحديثِ المباشرِ، فالدرامَا لمْ تعدْ صناعةً بسيطةً، بلْ هِي عملٌ بالغُ التَّعقيدِ، وفِي عالمِنَا المعاصرِ الذِي تكثرُ فيهِ الأعمالُ الدراميَّةِ بكافَّةِ لغاتِ الدُّنيَا ولهجاتِهَا المتعدِّدةِ، فإنَّه لَا سبيلَ لنجاحِ أيِّ عملٍ وحصولهِ علَى نسبةِ مشاهدةٍ عاليةٍ مَا لمْ يكنْ مصنوعًا بطريقةٍ راقيةٍ، وتوفَّرتْ لهُ إمكاناتٌ ماديَّةٌ تكفِي للاستعانةِ بممثِّلِينَ متميِّزِينَ، وأجهزةِ إضاءةٍ راقيةٍ، وإخراجٍ متقدِّمٍ، وغيرِ ذلكَ مِن عناصرِ الإنتاجِ الفنيِّ.
لابُدَّ لنَا أنْ نتحرَّكَ فِي أكثرِ من مسارٍ؛ لأنَّ العديدَ من الإشاراتِ تؤكِّدُ أنَّ أعداءَنَا لنْ يتوقَّفُوا عَن محاولاتِهِم المستميتةِ فِي الإساءةِ لنَا، وتشويهِ حقائقِنَا الناصعةِ. ومعَ اقترابِ المملكةِ مِن الحصولِ علَى حقِّ تنظيمِ كأسِ العالمِ 2034، فإنَّ حملاتِ إثارةِ الشكوكِ سوفَ تتزايدُ مِن جميعِ الاتِّجاهاتِ لإجهاضِ هذَا الحلمِ الذِي يقتربُ مِن التحقُّقِ، وأتوقَّعُ أنْ نرَى الكثيرَ من الاتِّهاماتِ الباطلةِ التِي تتعلَّقُ بظروفِ عملِ العمالةِ الوافدةِ، وحقوقِ الإنسانِ، وتمكينِ المرأةِ، وغيرِ ذلكَ مِن الأسطواناتِ المشروخةِ التِي طالمَا سمعنَاهَا خلالَ الفترةِ الماضيةِ.
لذلك لا أرى من الحصافة أنْ نقف مكتوفي الأيدي، حتى يبادر أعداؤنا إلى ترديد اتهاماتهم، ومن ثم نستنفر كافة قدراتنا للرد عليها، بل يجب علينا القيام بالعديد من الإجراءات الاستباقية؛ لأن رد الفعل مهما كان قويا؛ فإنه لا يرقى إلى درجة الفعل، وأن نبادر للتعريف بعاداتنا المتوارثة، وتقاليدنا العريقة، وأخلاقنا الرفيعة، ونسلط الضوء على واقعنا، وذلك لقطع الطريق على الكارهين وذوي القلوب السوداء.
أكرِّرُ مرَّةً أُخْرَى أهميَّة المبادرةِ بعرضِ وجهاتِ نظرنَا وإيضاحِ آرائِنَا، وإيصالِ الصوتِ السعوديِّ إلى الخارجِ، والتحدُّثِ معَ الآخرِ بلغتهِ والطريقةِ التِي تناسبهُ، بدلًا مِن التركيزِ علَى مخاطبةِ الداخلِ المحليِّ أو المحيطِ الإقليميِّ، فليسَ لدينَا مَا نخفيه، ولَا يوجدُ فِي تاريخنَا مَا نخشَى منهُ، فنحنُ أُمَّةٌ يعرفُ العالمُ كلُّه قدرهَا، ومَا قدَّمتهُ مِن إسهاماتٍ جليلةٍ للعالمِ بأسرهِ.
ولابُدَّ أنْ يكونَ تحرُّكنَا مدروسًا بدقَّةٍ وبدونِ عشوائيَّةٍ، وعلَى أكثرِ مِن مسارٍ، معَ التركيزِ علَى وسائلِ التواصلِ الاجتماعيِّ والفنونِ والإعلامِ؛ لقدرةِ هذهِ الأدواتِ علَى مخاطبةِ أكبر شريحةٍ ممكنةٍ مِن النَّاسِ، وما تملكهُ مِن قوَّةٍ فِي التأثيرِ علَى الرأيِ العامِّ، وتشكيلِ توجِّه المجتمعاتِ، وقدرتهَا الفائقةِ علَى الوصولِ إلى كافةِ فئاتِ المجتمعِ.
كذلكَ ينبغِي أنْ تكونَ الموادُ المقدَّمةُ باللُّغاتِ العالميَّةِ، فليسَ هناكَ معنَى أنْ نخاطبَ الآخرِينَ باللغةِ العربيَّةِ؛ لأنَّ الفئاتِ المستهدَفةَ لا تفهمهَا، كمَا لَا توجدُ حاجةٌ لمخاطبةِ الشعوبِ العربيَّةِ والإسلاميَّةِ، فهؤلاء يعلمُونَ حقيقتنَا تمامًا. ولَا أعتقدُ أنَّ مهمَّة إقناعِ الآخرِينَ بصوابِ رأينَا وصحةِ مواقفنَا ستكونُ شاقَّةً، فسيرتنَا -وللهِ الحمدُ- ناصعةٌ، فقطْ نحتاجُ إلى قليلٍ مِن التَّرتيبِ، وتنسيقِ الجهودِ، وتنظيمِ الصفوفِ.