الحمد لله الذي جعل مكةَ قبلةً للمسلمين، وبعث منها خاتم الأنبياءِ وسيّدَ المرسلين، وأنزل فيها قرآنَه العظيم بلسانٍ عربيٍّ مبين، والصلاة والسلام على من بعثه اللهُ رحمة للعالمين، أفصحُ الناسِ لساناً، وأعذبهم بياناً. القائل عندما سئل أين الجمال؟، قال: في (اللسان).
إن اللغة العربية هي اللغة التي قدر لها بفضله عزّ وجل أن تستمر وتدوم، فهي لغة القرآن الكريم، حفظت بحفظه إلى يوم الدين، قال تعالى: (إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون).
إنها دقيقة المبنى واسعة المعنى بحرفٍ واحدٍ، بل بحركةٍ واحدةٍ يتغير كل شيءٍ، تأملوا قوله تعالى: (إنما يخشى اللهَ من عباده العلماءُ) - (فاطر: 28) - ومعناها أن العلماءَ بسبب معرفتهم باللهِ وبشرعهِ فهم أكثر الناس خشية.
ويظهر جمال اللغة العربية في الشعر، والنثر، والخطابة، والقصة، والرواية، فالشعر يعتبر فناً أدبياً أقبل عليه كبار الشعراء الذين برعوا في ألوانه المختلفة، من غزل، ومدح، وفخر، وذم، ورثاء وهجاء، والوقوف على الأطلال، ومن أبرزهم امرؤ القيس، والأعشى، وطرفة بن العبد، والمتنبي، وشوقي، وأبوالقاسم الشابي، وشعراء المعلقات السبع وغيرهم.
اللغة العربية هي وعاء فكر الأمة، ومكون من أهم مكونات هويتِها، ورابط من روابط وحدتها وشهودها الثقافي. حبها دين. والعناية بها واجب. والدفاع عنها ذود عن العرض والوجود.
إن اللغة العربية لا تخص قلة من الناس هم العرب، إنها لغة عالمية يتكلم بها المسلمون في شتى بقاع العالم.. واللغات القديمة من أرامية، وسريانية، وعبرية، هي من خوادم المعرفة؛ أما اللغة العربية فهي لغة أمم متعددة.
وقد انبثقت عن اللغة العربية مجموعة من اللغات التي احتضنتها شبه الجزيرة العربية مثل: اللغة الحميرية، والبابلية، والحبشية، والآرامية.
يقول الثعالبي: من أحبَّ اللهَ تعالى، أحبَّ رسولَه محمداً صلى اللهُ عليه وسلم، ومَن أحبَّ الرسولَ العربيَ أحب العربَ، ومن أحب العربَ أحبَ العربيةَ التي نزلَ بها أفضلُ الكتبِ على أفضلِ العربِ والعجم، ومن أحبَ العربيةَ ؛ عُني بها، وثابرَ عليها ، وصرفَ هِمّتَه إليها، ومن هداهُ اللهُ للإسلامِ وشرحَ صدرَه للإيمان، وآتاهُ حُسْنَ سريرةٍ فيه، اعتقدَ أن محمداً صلى اللهُ عليه وسلم خيرُ الرُسلِ، والعربَ خيُر الأمم، والعربيةَ خيرُ اللغاتِ والألسِنة، وسببُ إصلاح المعاشِ والمعاد، ثم هي لإحراز الفضائلِ، والاحتواءِ على المروءةِ وسائرِ أنواعِ المناقبِ، كالينبوعِ للماءِ والزندِ للنار. ولو لم يكن في الإحاطةِ بخصائصِها، والوقوفِ على مجارِفها، والتبحّرِ في جلائلِها ودقائقِها إلا قوةُ اليقينِ في معرفةِ إعجازِ القرآن الكريم، وزيادة البصيرةِ في إثباتِ النبوةِ التي هي عُمدةُ الإيمانِ، لكفى بها فضلاً يحَسُنُ أثرهُ، ويطيبُ الدارينِ ثمَرُه.