في مجتمعِنَا السعوديِّ هناكَ الكثيرُ مِن رموزِ العملِ الاجتماعيِّ؛ يُسهمُونَ دائمًا فِي تقديمِ مَا يزرعُ مبادئَ وقيمًا تُصبحُ مثالًا يُحتذَى؛ ولعلَّ ما يُميِّزنَا كسعوديِّينَ هُو الكرمُ؛ كقيمةٍ متوارثةٍ منذُ الأزلِ.
والكرمُ كانَ -وما زالَ- مِن أسمَى القيمِ التِي يُقدِّرهَا العربُ، بلْ هُو سمةٌ تُميِّزُ الكريمَ، وتجعلُ منهُ رمزًا للفخرِ فِي المجتمعِ؛ وعندمَا يتغنَّى كبارُ الشعراءِ برجلٍ، فهذَا يعنِي الكثيرَ؛ ومِن هؤلاءِ ظهرَ مالكُ الإبلِ الشَّهير «حثلان بن ناصر السبيعي»، فهؤلَاء الشُّعراءُ كانُوا يُشيدُونَ برجلٍ يُمثِّلُ هذهِ القيمةَ بكلِّ تفاصيلِهَا؛ فالكرمُ ليسَ فقطْ فِي العطاءِ الماديِّ، بلْ فِي المواقفِ والمبادراتِ، فِي الحضورِ والجاهزيَّةِ لتقديمِ الأفضلِ دائمًا.
الكرم عند العرب مرتبط بالشجاعة والرجولة، إذ كان الكريم دائماً هو من يلجأُ إليه الناس في المواقف الصعبة، وفي هذا يقولُ ابن جدلان: «سلامي على حثلان واللي مثل شرواه»، مؤكداً أن من يشبه حثلان في كرمه وشهامته قليل، بل نادر، والعرب لطالما رأوا في الكريم شخصاً يجمع بين العطاء بلا حدود، والتواضع بلا تكلف، وهذَا مَا يتجسَّدُ فِي قولِ يوسف الشلوي: «تسولفُ عنهُ وتردِّدُ أمجادَهُ الرُّكبانُ»، إذْ يُشيرُ إلَى أنَّ الكرمَ الحقيقيَّ هُو الذِي يذكرُهُ النَّاسُ مِن دونِ مبالغةٍ، أو طلبٍ مِن صاحبهِ.
أمَّا سلطان الهاجري، فقدْ عبَّر عَن هذَا البُعدِ الإنسانيِّ للكرمِ فِي قولِهِ: «ترديتُ لكنِّي ترديتُ فِي رجالٍ»، فهُو يُشيرُ إلَى أنَّ الرِّجالَ العِظامَ هُم مَن يرفعُونَك، حتَّى فِي أصعبِ المواقفِ، وحثلانُ بكرمِهِ وشهامتِهِ هُو أحدُ هؤلاءِ العِظامِ.
فالكرمُ عندَ العربِ كانَ دائمًا -وما يزالُ- علامةً علَى الرجولةِ والقوَّةِ، ورمزًا للأصالةِ التِي تُخلَّدُ فِي ذاكرةِ النَّاسِ وقلوبِهِم.
«حثلان بن ناصر السبيعي»؛ ليسَ مجرَّد رجلٍ كريمٍ يُحتَذَى بهِ، بلْ هُو تجسيدٌ حيٌّ للقِيَمِ العربيَّةِ الأصيلةِ التِي نعتزُّ بهَا، تلكَ القيمُ التِي تُعلِي مِن شأنِ الكرمِ والشهامةِ، والوقوفِ بجانبِ الآخرِينَ فِي السرَّاءِ والضرَّاءِ. عندمَا يُغنِّي الشعراءُ مثلَ سلطان الهاجري وابن جدلان ويوسف الشلوي عن حثلان، فإنَّهم يتغنُّونَ بتمثيلِهِ الرَّاسخِ لأخلاقِ أجدادِنَا وتراثِنَا العريقِ.
إنَّ حثلانَ هُو مرآةٌ تُظهرُ لنَا مَا يجبُ أنْ نكونَ عليهِ، فهُو يمثِّلُ عمقَ الأخلاقِ العربيَّةِ الأصيلةِ، وقوَّةِ العطاءِ بلَا حدودٍ، ليظلَّ رمزًا حيًّا يُلهمُ الأجيالَ القادمةَ، ويذكِّرنَا بأهميَّةِ التمسُّكِ بالقيمِ التِي بناهَا أجدادُنَا، وحافظَ عليهَا رجالٌ مثلُ حثلانَ.