قبل أكثر من عام تقريبًا، كتبتُ في هذه الصحيفة الغرَّاء، مقالًا بعنوان «المواطن السعودي.. والمنافسة العالميَّة»، أكدتُ فيه أنَّ تنمية القدرات البشريَّة، يُعدُّ من أبرز البرامج الإستراتيجيَّة المطروحة في الرؤية الطموحة 2030.
وقلتُ حينها: إنَّ من حصافة البرنامج، وعلو سقف طموحه على المدى المنظور والبعيد، أنَّه قائمٌ على المنافسة العالميَّة، وهي، منافسة لا يمكن لها أنْ تكون دون ممكنات واختبار لتلك القدرات البشريَّة، والعمل عليها في الآن.
وخلال الأسبوع الفارط، أطلق المركزُ الوطنيُّ للتعليم الإلكتروني حزمةً عريضةً من البرامج الجامعيَّة القصيرة، وهي برامج تقوم على الاعتصام بما تحمله من مرونة وطواعيَّة، فضلًا عمَّا تستجيش به من تخصصات متعدِّدة؛ بهدف السعي نحو تلبية احتياجات المواطن، بالتَّزامن مع متطلَّبات سوق العمل، والتحوُّلات التي يشهدها وطننا المبارك.
فإذا كان برنامج تنمية القدرات البشريَّة، يسعى في المقام الأول، إلى تمكين المواطن السعودي من المنافسة عالميًّا من خلال تعزيز قيمه، وتطوير مهاراته وتنميتها بالمعارف، فهو في المقابل يرمي إلى تطوير الأساس التعليمي، وتحضير الشباب لسوق العمل الآني والمستقبلي، وتعزيز ثقافة العمل لديهم، كما أنَّه يستهدف تنمية مهارات المواطنين والمواطنات عبر توفير فرص التعلُّم مدى الحياة، ودعم ثقافة الابتكار وريادة الأعمال، ويدعو إلى استيفاء تلك المزايا والقدرات والمهارات؛ ولكنَّه في المقابل، لا يرمي إلى استيفائها في كل مواطن سعودي على (انفراد)، فليس من اللازم اللازب، ولا من المستطاع أو الممكن أنْ يكون كلُّ «مواطن»: قويًّا، وعالمًا، وشاعرًا، وغنيًّا، ورائدَ أعمالٍ، ومفكِّرًا، وروائيًّا، وفنانًا؛ ولكنْ من الضَّروري -بل من الواجب- أنْ يجتمع في الوطن السعودي جميع تلك المزايا الممتازة، والمهارات النوعيَّة التي تتفرَّق ما بين جميع المواطنين، وتستوعب -في الآن ذاته- جميع العقول السعودية، فلا يمكن أنْ تُقسَّم العقول فقط إلى عقل عالم، وعقل أديب -مثلًا-؛ فهناك أقسام شتَّى من العقول؛ فهناك العقل المبدع، والعقل المبتكر، والعقل الفنَّان، والعقل الصَّانع، والعقل الإداري، والعقل الرِّيادي، والعقل الرياضي، والموسيقي، والجغرافي، والكيميائي، والفيزيائي.
إنَّ تعزيز القيم بتعدُّد منظوراتها، وتطوير المهارات بمختلف مستوياتها، هي جحر الزَّاوية في بناء الإنسان السعودي وتنمية قدراته وتعزيز مهاراته.