- الإنسانُ العاديُّ كائِنٌ تلقائيٌّ، يعتادُ النَّمَطيةَ والتَّلقينَ والكسَلَ الفِكريِّ، ويرفُضُ عادَةً مُحاولاتِ التطوُّرِ والتَّغييرِ في طُرقِ حَياتِهِ وعاداتِهِ، وإنْ كانتْ لِصالحِه، وبِخاصَّةٍ لو كانَ التغييرُ يتعلَّقُ بِطقوسٍ مورُوثَةٍ مَصبوغةٍ بالقُدسِيَّةِ أو التَّحريمِ (تابُو).
- يرتبطُ التطوُّرُ التِّقنيُّ والتقدُّمُ العِلميُّ، بتكريسِ المادِّيَّة والأنانيَّةِ الفرديَّةِ، وانحسارِ الرَّحمةِ والعدالةِ الاجتماعيَّةِ. لكنَّ مُستقبلَ البَشريَّةِ لا يعتمِدُ على التقدُّمِ المادِّيِّ العِلميِّ فحسْب، بلْ علَى التَّحسُّنِ الأخلاقيِّ والقِيَميِّ والشُّعورِ بالإنسانيَّةِ. يقولُ (أندرياس لوميل) الباحثُ فِي تاريخِ الشُّعوبِ البِدائيَّةِ: «إنَّ التطوُّرَ الفنِّيَّ والعقليَّ، لا يتَماشى بالضَّرورَةِ معَ التَّطوُّرِ المادِّيِّ للحَضارةِ».
- يُمكنُ للتَّاريخِ الغابِرِ، أنْ يكونَ عقبةً تعتَرِضُ التطوُّرَ والتَّقدُّمَ. فاعتبارُ بعضِ أحداثِهِ مَرجعيَّاتٍ مِعياريَّةٍ يجبُ اتُّباعُها بِحسْبِ النَّقلِ لا العقلِ، يَحدُّ كثيرًا مِن مُحاولاتِ الإنسانِ لتغييرِ مَسارِ التَّاريخِ، وإنقاذِ نفسِهِ مِن إعادَةِ اختلاقِ مُشكِلاتِهِ، وتَمجيدِهِ بِصورةٍ مُتعصِّبةٍ شخصيَّات أضرَّتْ بالإنسانيَّةِ، وتسبَّبَ اتباعُ سَنَنِهَا وأفكارِهَا فِي كوارِثَ أخلاقِيَّةٍ.
- يُحاولُ بعضُ الوُعَّاظِ منعَ المُسلِمِ عن التفكُّرِ في تعالِيمِ دينِهِ والتدبُّرِ في أحكامِهِ ومُناقَشةِ أحداثِ تاريخِهِ واستشرافِ مُستقبَلِهِ، مِن بابِ «سدِّ الذَّرائِعِ».. وهو بابٌ أصيلٌ تمَّ استغلالُه والتوسُّعُ فيهِ لِدرءِ تبِعاتِ التَّفكيرِ خارجَ الإطارِ التّقليدِيِّ للسَّلَفِ، بالرُّغمِ مِن التّطوُّرِ الاجتِماعيِّ والتِّقنيِّ والسِّياسيِّ، والتَّراكُمِ المَعرِفيِّ.
- التطوُّرُ التِّقنيُّ المُذهلُ خلالَ سنواتٍ قليلَةٍ، يتطلُّبُ مُواكَبَةَ أنظمةِ العَملِ لهُ بِحيثُ تتقلَّصُ ساعاتُ الدَّوامِ الحُضوريٍّ، وتُختَصَرُ أيضًا أيَّام العملِ الأُسبوعيِّ إلى (4) أيَّامٍ فَقطْ، مِن دُونِ المَساسِ بالرَّاتِبِ الكامِلِ أو البَدَلاتِ، إضافةً إلى اعتمادِ أنظِمَةِ ساعاتِ دوامٍ مَرِنَةٍ، والعملِ مِن المَنزِلِ (عن بُعدٍ)، لِتوفيرِ الجُهدِ والوقتِ والنَّفقاتِ، وتَحسُّنِ الإنتاجِ وصحَّةِ البدَنِ والنَّفسِ، فضلًا عنِ الإسهامِ في انتعاشِ صِناعَةِ وخِدْماتِ التّرفيهِ.
- وبِمُناسبَةِ حتْميَّةِ التَّطوُّرِ، لا يُمكنُنا واقعيًّا الاختيارُ مِن مَصادِرِ الحضَارَةِ ووسائِلِ التَّقنيةِ، أو الحجْرُ على مِنصَّاتِ الإعلامِ الحَديثِ، بل يُمكنُ تفعيلُ القَوانينِ المُنظِّمَةِ لاستِخدامِها فحسْب.. ومهما تذمَّرَ أحدُهُم أو استهجَنَ، فتيَّارُ التطوُّرِ جارِفٌ لا يُمكِنُ إيقافُهُ أو السِّباحةُ ضدَّهُ، وهو قدْ يفضَحُ سوءَ التّربيةِ وانحِدَارَ الأخلاقِ مِن الأساسِ.. هنا تكمُنُ المُعضِلةُ الحقيقيَّةُ والتَّحدِّي الأكبَرُ.
- وأختِمُ بِفائِدةٍ واقعيَّةٍ نبَّهنَا إليهَا الفيلَسُوفُ اليونانيُّ (هيرَقليطُس) حولَ فلْسفَةِ التطوُّر: «إنَّ المَرءَ لا يُمكُنُه أنْ يستَحِمَّ فِي ماءِ النَّهرِ مَرَّتيْنِ»!.