في زمنٍ باتَ فيهِ كلُّ شخصٍ مُخرجًا ومُنتجًا ومُمثِّلًا لمسلسلِ حياتهِ الخاصَّةِ، يظهرُ بطلُ المسلسلِ فِي كلِّ يومٍ جديدٍ بفيديُو عَن أسرتِهِ، زوجتِهِ وأطفالِهِ، بلْ ربَّمَا حتَّى طَعامُهم اليوميُّ وأدقُّ تفاصيلِ حياتِهِم. يشاركنَا تفاصيلَ زواجهِ، كيفَ يحتفلُ بالذِّكرَى السنويَّةِ، ويخبرنَا بكلِّ حُبٍّ كيفَ يجبُ أنْ نكونَ، وكيفَ أنَّ حياتَهُ خيرُ دليلٍ علَى الزَّواجِ المثاليِّ والتربيةِ الأخلاقيَّةِ.
وبعدَ أنْ تصلَ رحلةُ الزَّواجِ إلَى محطَّةِ الطَّلاقِ، ينطلقُ بطلنَا مرَّةً أُخْرَى علَى منصَّاتِهِ الاجتماعيَّةِ، ولكنْ هذهِ المرَّة بعنوانٍ جديدٍ: «الطَّلاقُ الأخلاقيُّ». يبدأُ فِي تقديمِ نصائحَ لَا تنتهِي عَن كيفيَّةِ الانفصالِ الحضاريِّ، وكيفَ يجبُ أنْ يتمَ الطَّلاقُ باحترامٍ ومودَّةٍ، مُستعرضًا أمثلةً علَى كيفيَّةِ تعاملِ الأزواجِ بعدَ الطَّلاقِ. يروِّجُ لفكرةِ أنَّ الطَّلاقَ ليسَ نهايةَ الحياةِ، بلْ بدايةٌ جديدةٌ مليئةٌ بالسَّلامِ الداخليِّ، والتفاهمِ العميقِ بينَ الشَّريكَينِ السابقَينِ، ويشرحُ كيفَ أنَّ هذَا الانفصالَ هُو «اختيارٌ ناضجٌ» ويجبُ أنْ يُحتذَى بهِ.
وبينمَا يواصلُ الحديثَ عَن التسامحِ والمودَّةِ، تنفجرُ فِي الخلفيَّةِ مشاهدُ مِن الحروبِ الصغيرةِ: منشوراتٌ مبطَّنةٌ، تلميحاتٌ، ونشرٌ للغسيلِ أمامَ الجمهورِ، ومِن المؤسفِ أنَّ أخلاقيَّةَ الطَّلاقِ التِي يتحدَّثُ عنهَا لَا تنعكسُ تمامًا فيمَا نرَى، كيفَ يمكنُ أنْ يكونَ الطَّلاقُ حضاريًّا، وأنتَ تُحوِّلُ كلَّ تفاصيلهِ إلَى درامَا يوميَّةٍ يشاهدهَا الآلافُ؟!.
وعندمَا تأتِي اللحظةُ التِي تبدأُ فيهَا النَّاسُ بالتَّساؤلِ أو التَّعليقِ، يخرجُ علينَا بطلُنَا ذاتُه ويصرخُ مستنكرًا: «احترمُوا خصوصيَّتِي!». يطالبُ بأنْ لَا يخوضَ أحدٌ فِي حياتِهِ الشخصيَّة، ويُصرُّ علَى أنَّ لهُ الحقَّ فِي العيشِ بسلامٍ بعيدًا عَن أعينِ الفضوليِّينَ.
يَا عزيزِي؛ لقدْ أمضيتَ شهورًا وأنت تجعلُ مِن حياتِكَ فيلمًا وثائقيًّا يوميًّا، ثمَّ فجأةً تطالبُ بالصَّمتِ والابتعادِ؟!.
وفِي النِّهايةِ، يبدُو أنَّ التنظيرَ علَى النَّاسِ باتَ هوايةً. فهُو يُعلِّمنَا كيفَ نعيشُ ونتزوَّجُ ونطلِّقُ، لكنَّهُ فِي الوقتِ نفسِهِ لَا يحتمَّلُ أنْ يكونَ محطًّا للنَّقدِ أو الأسئلةِ. قدْ يكونُ الحلُّ المثاليُّ -عزيزِي المُخرِج- هُو أنْ تتركَ المسرحَ لنَا لبعضِ الوقتِ، ربَّما نعودُ ونرَى إنْ كانَ بإمكانِكَ حقًّا العَيش فِي هدوءٍ بعيدًا عَن الأضواءِ؟!.