يرحلُ العظماءُ، ويسجِّلُ التَّاريخُ إنجازاتِهِم، ويحتفلُ الأبناءُ بسيرةِ أجدادِهِم وآبائِهِم، وتحرصُ القيادةُ الحكيمةُ بتبنِّي الاحتفالاتِ برموزِ الوطنِ، وهذَا مَا تجسَّدَ فِي ملحمةِ الاحتفالِ بجائزةِ أمين مدني للبحثِ فِي تاريخِ الجزيرةِ العربيَّةِ، أحد كتَّابِ تاريخِ الجزيرةِ العربيَّةِ بأمانةٍ وإخلاصٍ فِي تحرِّي الدقَّةِ فِي كتابةِ التَّاريخِ، مستندًا علَى مصادرَ موثوقةٍ ومخطوطةٍ لَا تزييفَ فيهَا أو تَحرِيف.
كانَ احتفالُ هذَا العامِ بمناسبةِ الفوزِ بالجائزةِ مناصفةً بينَ قطبِ التاريخِ الحديثِ فِي عالمِ المكتباتِ ومؤلِّفِ المخطوطاتِ، الدكتورِ عباس صالح طاشكندي فِي موضوعِ: «أبحاث شبه الجزيرةِ العربيَّةِ، وخاصَّةً فِي دراساتِهَا المرتبطةِ بتاريخِ مكَّة المكرَّمة والمدينةِ المنوَّرة»، أوَّل حاملٍ لدرجةِ الدكتوراةِ فِي علمِ المكتباتِ فِي الجامعاتِ السعوديَّةِ، ومؤلِّف مخطوطاتِ مكَّة المكرَّمة والمدينةِ المنوَّرة، وشاركهُ فِي الجائزةِ حمود بن حمد بن جويد الغيلاني، فِي موضوع: «ثقافة البحرِ فِي الخليجِ العربيِّ، والجُذُور التاريخيَّة لشعوبِ الخليجِ العربيَّةِ في علاقاتِهِم بالبحرِ»، من سلطنةِ عُمان الشقيقةِ.
وكانَ أبرزَ مَا يميِّزُ حفلَ جائزةِ أمين مدني هُو راعِي الحفلِ صاحبُ الطلَّةِ البهيَّةِ والبسمةِ وحرارةِ السَّلامِ لكلِّ ضيفٍ حضرَ الجائزةَ وأنَا منهُم، لقدْ تأكَّدَ لِي بأنَّ الوالدَ صاحبَ السموِّ الملكيِّ الأميرَ سلطان بن عبدالعزيز لمْ يمتْ، ولمْ يغبْ عنَّا، فابنهُ صاحبُ السموِّ الملكيِّ الأميرُ سلمان بن سلطان أميرُ منطقةِ المدينةِ المنوَّرة أقربُ مَا يكونُ لأبيهِ فِي طلَّتهِ وبسمتهِ؛ وحرارةِ استقبالهِ لضيوفهِ، وبلاغتِهِ وقدرتِهِ علَى الخطابةِ المرتجلةِ، تُعيدُ لذاكرتِنَا الوالدَ الأميرَ سلطان بن عبدالعزيز -طيَّبَ اللهُ ثراهُ-.
لقدْ عاشتِ المدينةُ المنوَّرةُ خلالَ الأسابيعِ الماضيةِ احتفالَينِ لقامتَينِ عملاقتَينِ مِن أبناءِ المدينةِ المنوَّرةِ، ومِن أعرقِ العوائلِ المدنيَّةِ، الأوَّلُ كانَ احتفالًا بجائزةِ معالِي الدكتورِ نزار مدني، وزيرِ الدولةِ للشؤونِ الخارجيَّةِ وعضوِ مجلسِ الشُّورَى الأسبقِ، وابنِ أحدِ مؤسِّسي مجلسِ الشُّورَى الأوَّل السيِّد عبيد مدني، شقيقِ السيدِ أمين مدني مؤرخِ الجزيرةِ العربيَّةِ، ووالدِ الوزيرِ والأديبِ المثقفِ السيِّدِ إياد مدني، مؤسِّس جائزةِ أمين مدني، والثَّانِي كانَ الأسبوعُ الماضِي حفل جائزةِ المؤرِّخِ أمين مدني؛ للبحثِ في تاريخِ الجزيرةِ العربيَّةِ فِي دورتِهَا التاسعةِ فِي رحابِ قصرِ صاحبِ السموِّ الملكيِّ الأميرِ سلمان بن سلطان بن عبدالعزيز أميرِ منطقةِ المدينةِ المنوَّرة.
لقد كان حفلاً منظماً على مستوى عالٍ، تبعه برنامج لندوة علمية في تاريخ الجزيرة العربية، احتضنته جامعة الأمير مقرن، بقيادة أخي وزميلي معالي الوزير الأسبق رئيس جامعة الأمير مقرن بن عبدالعزيز الأستاذ الدكتور بندر حجار، متمنياً أن يحذو أبناء الرواد من أبناء الوطن، الذين لهم بصمات مؤثرة في وطننا الغالي، أن يعيدوا ذكرى آبائهم بتخصيص جوائز علمية يتسابق عليها طلبة العلم في الجامعات.