ليسَ بسببِ أنَّه مِن العشرةِ المبشَّرِينَ بالجنَّةِ فحسبْ، وهُو مقامٌ عظيمٌ لمَن حَظِيَ بِهِ، بلْ لأنَّ هذَا الصحابيَّ الجليلَ متعدِّدُ المناقبِ وربَّما البعضُ لَا يعرفُ ذلكَ، ولَا يعرفُ الأدوارَ الكبيرةَ التِي اضطلعَ بهَا فِي حياتِهِ.
وإنْ كانَ المقامُ للبطولةِ والبسالةِ؛ فلهُ فِي ذلكَ باعٌ طويلٌ، سلَّ سيفَهُ دفاعًا عَن النبيِّ -عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ-، فنَالَ دعاءَهُ المُستجابَ.
الصحابيُّ الجليلُ الزبير بن العوام رضي اللهُ عنه-؛ تفيضُ سيرةُ حياتهِ بالمواقفِ الجميلةِ الجليلةِ، التِي تُشعرنَا أنَّ صاحبهَا مثالٌ فريدٌ لا يتكرَّرُ، ونسيجٌ مختلفٌ عَن البشرِ، منهُ تُؤخذُ الدروسُ والعبرُ.
لمَّا نزلَ الوحيُ بالرسالةِ؛ أصبحَ سيدنَا الزبير بن العوام مِن أوائلِ الداخلِينَ فِي دينِ اللهِ، وتعرَّضَ فِي سبيلِ ذلكَ للابتلاءِ، ونالهُ تعذيبٌ شديدٌ، حصلَ ذلكَ علَى يدِ عمَّهِ، حيثُ كانَ يلفهُ فِي الحصيرِ وهُو تحتَ وطأةِ العذابِ، فيجيبهُ فِي تحدٍّ رهيبٍ: واللهُ لَا أعودُ للكفرِ أبدًا.
يَا لهُ مِن إيمانٍ راسخٍ عندَ هذَا الفتَى؛ الذِي نشأَ فِي كنفِ بيتِ النبوةِ، فِي أجواءِ العزَّةِ والقوَّةِ.
كمَا اجتمعَ لهُ شرفُ أنْ تكونَ زوجتهُ ذاتَ النطاقَينِ السيدة أسماء بنت أبي بكر الصديق -رضي الله عنهمَا-.
ومِن الصدفِ أنْ تجدَ قبرَ الصحابيَّ الجليلَ عبدالله بن الزبير في المعلاةِ بمكَّة المكرَّمة بجوارِ قبرِ أمِّهِ الصحابيَّةِ الجليلةِ أسماء بنت أبي بكر، يفصلُ بينهمَا ممشَى لا يزيدُ عَن المترَينِ فِي طريقِ الزَّائرِ إلَى حوطةِ (شعبةِ النُّورِ)، التِي تقعُ علَى سفحِ جبلِ الحجونِ.
وأحرصُ عندَ زيارةِ قبورِ المعلاةِ -كمَا يحرصُ غيرِي، لاسيَّما من المعتمرِينَ والحجَّاجِ والزوَّارِ- بالبدءِ فِي زيارةِ قبرِ أُمِّ المؤمنِينَ السيدةِ خديجة -رضي الله عنها-، ثمَّ قبرِ السيدةِ أسماء، وابنهَا الصحابيِّ عبدالله بن الزبير.
وأنقلُ مقتطفاتٍ مِن شعرِ حسَّان بن ثابت؛ وهو يرسمُ لنَا صورةً عَن هذَا الصحابيِّ الفذِّ بقولِهِ:
أقامَ علَى عهدِ النبيِّ وهديِهِ
حَوارِيُّهُ والقولُ بالفعلِ يُعدلُ
أقامَ علَى منهاجِهِ وطريقِهِ
يُوالِي وليَّ الحقِّ والحقُّ أعدلُ
هُو الفارسُ المشهورُ والبطلُ الذِي
يصولُ إذَا مَا كانَ يومٌ مُحجَّلُ
لهُ مِن رسولِ اللهِ قُربَى قَريبةٌ
ومِن نصرةِ الإسلامِ مجدٌ مُؤثَّلُ
فكمْ كربةٍ جلَّى الزبيرُ بنفسِهِ
عَن المصطفَى واللهُ يُعطِي فيُجزلُ
فلَا مثلُهُ فيهِم ولَا كانَ قَبلَهُ
وَليسَ يكونُ الدَّهرُ مَا دامَ يذبلُ
ثناؤكَ خيرٌ مِن فَعالِ مَعاشرٍ
وفِعلُكَ يَا ابنَ الهاشميَّةِ أفضلُ
وأخيرًا.. فإنَّ الزبير بن العوام الصحابيَّ الجليلَ -رضي الله عنه جاهدَ فِي سبيلِ اللهِ بنفسِهِ ومالِهِ، ونالَ الشهادةَ بوعدِ مَن لا ينطقُ عَن الهوَى، نالهَا فِي العراقِ، ودُفنَ فِي البصرةِ، ولهُ مزارٌ معروفٌ.
ولعلَّ وزارةَ السياحةِ والجهاتِ الأُخْرى ذات العلاقةِ تلتفتُ ضمنَ برامجهَا للتعريفِ بهؤلاءِ الأعلامِ، ممَّن نُقشتْ أسماؤهُم علَى جدرانِ التَّاريخِ.