أكرمنَا اللهُ فِي هذَا الوطنِ، بعدَ أنْ وحَّدَ الملكُ عبدالعزيز -طيَّبَ اللهُ ثرَاهُ- جميعَ مناطقِ المملكةِ؛ حتَّى أصبحتِ السعوديَّةُ هِي «هويَّتنَا وقبيلتنَا» وفقًا لمَا أمرَ اللهُ بهِ فِي قولِهِ تعالَى: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللهِ أَتْقَاكُمْ)، ولحديثِ رسولِ اللهِ -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم-: (كُلُّكُمْ لآدَمَ وَآدَمُ مِن تُرَابٍ)، ورضوخًا للنِّظامِ البيولوجيِّ، والعودة إلى أصلِ الخلقِ وهُو الصِّفاتُ مِن الجيناتِ؛ ممَّا تقرِّرهُ قاعدةُ الفهمِ الإنسانيِّ للحياةِ، ونبذِ العنصريَّةِ، وإِنِّي لأجدُ أَغبَى إنسانٍ فِي الكونِ أنْ يحقرَ إنسانًا آخرَ ويتعَالَى عليهِ بفخذِهِ، أو قبيلتِهِ، أو منطقتِهِ، أو جنسِهِ، أو لونِهِ، أو هويَّتِهِ؛ لقولِهِ -عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ-: (بِحَسبِ امْرِئٍ مِن الشَّرِّ أنْ يَحْقرَ أخَاهُ)، حيثُ إنَّ هذهِ صفةٌ -أيّ تحقيرِ الآخرِينَ- كانتْ عندَ القياصرةِ والأكاسرةِ، واعتبارهم لكلِّ العربِ بأنَّهُم الدُّونُ والأقلُّ مرتبةً، وعندَ العربِ فِي الجاهليَّةِ وفخرهِم بالأحسابِ، وطعنهِم بالأنسابِ، وعندَ الرجلِ الأمريكيِّ الأبيضِ وتحقيرِهِ للأسودِ.
إن من فضل الله علينا في المملكة -حاضرة وبادية، شمالا وجنوبا، شرقا ووسطا وغربا- إن جعلنا شعبا واحدا ملتفين حول قيادتنا، لقد انصهرنا جميعا تحت بيرق واحد مطرز بكلمة التوحيد التي تنبذ العنصرية، ويؤكد هذه النعمة التي نحن فيها التنقل بين مناطق المملكة، والتداخل الممتد بينها، من أجل الحياة والوظائف والبحث عن العمل، وكذا نعمة التمتع بالمجاورة لبيت الله، أو مسجد رسوله -صلى الله عليه وسلم-، ومِن ذلكَ مبادرةُ أهلِ نجدٍ مِن الرياضِ والقصيمِ وحائل منذُ بدايةِ حُكمِ الملكِ عبدالعزيز وبعدهُ، وإلَى اليومِ فِي طلبِ المجاورةِ لمكَّة والمدينةِ؛ لحبُّهِم لهُمَا، وبغيةِ العيشِ بهمَا بمَا جعلَ لهُم تميُّزُهم عَن بقيَّةِ أهلِ نجدٍ بجوِّهم المحبَّبِ إلى نفوسِهِم بالاندماجِ معَ العوائلِ المكيَّة والمدنيَّة، بلْ أصبحتْ تربطهُم بهِم وشائجُ قرابةٍ وتراحمٍ، ناهيكَ عَن الودِّ والحُبِّ الذِي بينهُم كجِيرَان وأصدقاءَ وزملاءِ دراسةٍ، ولَا شكَّ أنَّ أبناءهُم وبناتِهِم لا يمكنُ أنْ تفرِّقَ بينهُم وبينَ أهلِ مكَّة والمدينةِ، من حيث اللِّبسِ والكلامِ والنَّواحِي الاجتماعيَّةِ والسلوكيَّةِ والطبائعِ الفرديَّةِ، وهذَا يعودُ للمجالسةِ والمجانسةِ، بالإضافةِ للمصاهرةِ والتَّزاوجِ، ولا شكَّ أنَّ مَن عاشَ مِن أهلِ القصيمِ والرِّياضِ وحائلَ فِي مكَّة والمدينةِ اليومَ هُم حجزٌ مِن الدرجةِ الأُولَى كلامًا وحديثًا وسلوكًا واندماجًا تمامًا كمَا هُو الحالُ بوجودِ أهلِ مكَّة والمدينةِ فِي الرِّياضِ، أو القصيمِ، أو حائلَ، حيثُ اندمجُوا معهُم سلوكًا ولهجةً وتحدُّثًا، وكذا بقيَّة مناطقِ المملكةِ تداخلًا وترابطًا، ولقيتُ ذاتَ مرَّةٍ صديقًا قصيميًّا أُمازحهُ بلهجةٍ قصيميَّةٍ، فإذَا بهِ يردُّ عليَّ بلهجةٍ حجازيَّةٍ، ولقيتُ كذلكَ شخصًا مِن أهلِ المدينةِ عايشًا فِي القصيمِ أتحدَّثُ معهُ بلهجةٍ مدينيَّةٍ، فإذا بهِ يردُّ عليَّ بلهجةٍ قصيميَّةٍ، فتذكَّرتُ قصيدةَ غازي القصيبي -رحمَهُ اللهُ- التِي مطلعُهَا:
أَجَلْ نَحنُ الحِجازُ وَنَحنُ نجدُ
هُنَا مَجْدٌ لَنَا وَهُنَاكَ مَجدُ.
فاللَّهُمَ لكَ الحمدُ ولكَ الشُّكرُ علَى هذهِ النعمةِ، نعمةِ الأُخَّوةِ فِي الدِّينِ، وعلَى هذَا الوطنِ وطنِ الوحدةِ والترابطِ، وعلَى هذهِ القيادةِ الواعيةِ الرَّاشدةِ.