الكذبُ سلوكٌ اجتماعيٌّ محرَّمٌ شرعًا، وردَ ذكرُهُ فِي آياتٍ كُثُر، منهَا قولُهُ تعَالَى: (إِنَّمَا يَفْتَرِي الْكَذِبَ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِ اللهِ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْكَاذِبُونَ)، وقولُهُ تعَالَى: (إِنَّا قَدْ أُوحِيَ إِلَينَا أَنَّ العَذَابَ عَلَى مَنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى)، وقولُهُ تعَالَى: (وَلَا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلسِنَتُكُمُ الكَذِبَ هَذَا حَلَالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِتَفتَرُوا عَلَى اللهِ الكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفتَرُونَ عَلَى اللهِ الكَذِبَ لَا يُفلِحُونَ)، كمَا وأنَّهُ منبوذٌ اجتماعيًّا؛ كونُهُ يقومُ بتتزييفِ الحقائقِ لكسبِ مصالحَ دنيويَّةٍ؛ ممَّا يترتَّبُ الكثيرُ مِن الأضرارِ التِي تلحقُ بحقوقِ البشرِ، وقلبِ الحقِّ إلَى باطلٍ، وقدْ يحدثُ الكذبُ مِن بابِ المزاحِ المنبوذِ، وفِي كلِّ الحالاتِ فالكذبُ سلوكٌ مشينٌ يُعطِي صورةً سلبيَّةً فرديَّةً أو جماعيَّةً عندَ ممارستِهِ مِن قِبلِ فئةٍ كبيرةٍ أو صغيرةٍ يُعدُّ دليلًا علَى انحدارٍ فِي القِيمِ الفاضلةِ التِي حثَّ عليهَا ربُّنَا سبحَانَهُ.
واللَّافتُ للانتِبَاهِ أنَّ هذَا السلوكَ المحرَّمَ شرعًا والمَشِينَ اجتماعيًّا للأسفِ يُمارسُ بدرجةٍ كبيرةٍ فِي مجتمعاتِنَا العربيَّةِ، بلْ نرَى أنَّ هذَا السلوكَ المَشينَ أصبحَ معزَّزًا في بعض مؤسَّساتِ التَّربيةِ، وأجهزةِ الإعلامِ، ومعهَا برامجُ التَّواصلِ الاجتماعِيِّ التِي يُفترضُ أنْ تكونَ القدوةَ الفاضلةَ، والتِي يستوجبُ منهَا أنْ تكونَ معزِّزةً لقِيمِ الصِّدقِ التِي ينادِي بهَا كتابُ اللهِ تعَالَى وأحكامُهُ، وفِي سلوكِ الأنبياءِ والرُّسلِ.
ومن يتتبع السلوكات الاجتماعية الممارسة يومياً، يجد أن ممارسة سلوك الكذب، سواء كان ذلك لتزييف الحقائق، أو كان للمزاح وجلب الدعابة، أصبح ممارساً بدرجة لافتة، وهذا مؤشر غير محمود في مجتمعات تعد المنطلق الأول للدين الحنيف، بعكس الذي نراه ونلمسه عند الدول المتقدمة التي نجد سلوك الصدق إحدى سماتها في أغلب الأحوال.
ومِن هذَا المنطلقِ أتمنَّى مِن كافَّةِ المؤسَّساتِ الحكوميَّةِ والخاصَّةِ أنْ تتولَّى محاربةَ هذَا السلوكِ المَشينِ ضمنَ فعاليَّاتِهَا ومناهجِهَا، وأنْ تفرضَ قوانينَ حازمةً لقمعِ سلوكِ الكَذبِ مهمَا كانتْ درجتهُ.