* في الوقتِ الذي باتتْ فيه منصَّات التواصلِ الاجتماعيِّ جزءًا أساسًا من حياتنَا اليوميَّة، أصبحتْ هذه المنصَّاتُ بيئةً خصبةً لنشرِ الاتِّهاماتِ والشَّائعاتِ، بنفسِ السهولةِ التي يتمُّ بها نشرُ الأخبارِ وتبادلُ المعلوماتِ.. والحجَّة هنَا هِي حريَّةُ التعبيرِ، التي وإنْ كنَّا نتَّفقُ علَى أنَّها مكفولةٌ للجميعِ، إلَّا أنَّها لا ينبغِي أنْ تكونَ مبرِّرًا للقذفِ، وإلقاءِ التُّهمِ دونَ تثبُّتٍ، تمامًا كمَا أنَّ سهولةَ إرسالِ الأخبارِ لَا يجبُ أنْ تكونَ تسهيلًا للتشويهِ والتشهيرِ، وهدمِ حياةِ أشخاصٍ وعائلاتٍ بأكملِهَا.
* يُشخِّصُ الأستاذُ الجامعيُّ وخبيرُ الإعلامِ تيموثي سنايدر، حالةَ الفوضَى هذهِ بقولهِ: «الأخبارُ الكاذبةُ تنتقلُ بسرعةٍ؛ لأنَّها تستثيرُ مخاوفنَا وتُغذِّي فضولنَا، بينمَا تحتاجُ الحقائقُ وقتًا أطولَ لتثبتَ وجودَهَا». ولعلَّ فِي هذهِ المقولةِ إجابةً عَن السؤالِ: لماذَا تتحوَّلُ بعضُ الأكاذيبِ إلَى حقائقَ مؤقتةٍ، قدْ تقتلُ الآخرِينَ معنويًّا حتَّى بعدَ دحضِهَا؟.
* ليسَ مِن الصعبِ تخيُّل حجمِ الأذَى النفسيِّ والاجتماعيِّ، وأحيانًا الاقتصاديِّ الذي قد نتسبَّبُ بهِ لأفرادٍ أو لمنظَّماتٍ، نتيجةَ مشاركتِنَا في تُهمةٍ غيرِ صحيحةٍ، والأدهَى أنَّنا قد نفعلُ ذلكَ بنيَّةِ الدعمِ الإنسانيِّ لمَن يُحسنُ تجسيدَ دورِ الضحيَّةِ، والماضِي القريبُ يشهدُ بالكثيرِ مِن القضايَا أو (الخدعِ) التي تمَّ فيهَا استغلالُ الجانبِ العاطفيِّ لدَى النَّاسِ، ودفعهِم نحوَ الإدانةِ، قبلَ أنْ تبدأَ التحقيقاتُ أصلًا، والمؤسفُ أكثرُ أنَّه عندمَا تمَّت تبرئتهُم كانتِ الأضرارُ أكبرَ من تداركِهَا، ولم يُعِد الاعتذارُ لعودةِ الأمورِ؛ إلى مَا كانتْ عليهِ قبلَ هجماتنَا العاطفيَّة واللاعقلانيَّة.
* هذهِ الفوضَى فِي إلقاءِ التُّهم أو تسهيلِ دحرجتهَا وتضخيمهَا، تتطلَّبُ وقفةً جديَّةً من الجميعِ، بدءًا من العقلِ الجمعيِّ الذي يجبُ أنْ يدركَ خطورةَ هذهِ الظاهرةِ التي لُدغنَا منهَا ألفَ مرَّة، ومازلنا حتَّى اليوم، نندفعُ إلى دعمِ طرفٍ علَى حسابِ آخرَ، دونَ معرفةِ حقائقِ الموضوعِ، ودونَ النظرِ إلى العواقبِ التي قد تتبعُ هذا التسرُّع.
* نقدِّرُ ونحترمُ ونشيدُ بكلِّ الضوابطِ المفروضةِ من الجهاتِ الرسميَّةِ على وسائلِ التواصلِ، ونقدِّرُ صعوبةَ السيطرةِ عليهَا، لكنَّنا في ظلِّ تعاظمِ هذهِ الظاهرةِ المقيتةِ نتمنَّى ضوابطَ أكثرَ حزمًا، بشكلٍ يضمنُ الحفاظَ علَى حقوقِ المواطنِينَ وكرامتِهِم.. ولِكَي تظلَّ وسائلُ التواصلِ أداةً لبناءِ المجتمعاتِ، لا لهدمِهَا.
* المسؤوليةُ في عصرِ الإعلامِ الرقميِّ لا تقتصرُ على صانعِ المحتوَى وحدهُ، بلْ تشملُ كلَّ مَن يتجاوبُ معَ المحتوَى بإعادةِ النشرِ أو التأييدِ، فلكلِّ كلمةٍ وزنهَا، ولكلِّ رأيٍ تأثيرهُ، ولكلِّ شائعةٍ ضحاياهَا، ولنْ نحظَى بمجتمعٍ واعٍ رقميًّا إلَّا إذَا أدركنَا أنَّ الحريةَ فِي منصَّاتِ التواصلِ يجبُ أنْ تكونَ مقترنةً بالمسؤوليَّةِ، وباحترامِ حقوقِ الآخرِينَ وكرامتِهِم.