يزدادُ النسيانُ عادةً معَ تقدُّمِ عمرِ الإنسانِ، لكنَّه يمكنُ أنْ يحدثَ عندَ أيِّ عُمرٍ. لقدْ أصبحَ النسيانُ، وضعفُ الذاكرةِ فِي أيامِنَا هذهِ عادةً لدَى الكثيرِ مِن النَّاسِ أكثرَ من كونِهَا آفةً؛ بسببِ كبرِ السنِّ والخرفِ، أو كثرةِ الضغوطِ الحياتيَّةِ اليوميَّةِ؛ مِن أجلِ ذلكَ فيجبُ علَى الواحدِ منَّا عدمُ الاكتراثِ كثيرًا، لو تركَ مركبتهُ أمامَ المسجدِ بعدَ انتهاءِ الصَّلاةِ، والعودة إلَى المنزلِ علَى الأقدامِ ظنًّا منهُ أنَّه جاءَ إلى المسجدِ مشيًا علَى الأقدامِ، وعلينَا أيضًا عدمُ الاهتمامِ كثيرًا لو نسينَا بعضَ الأغراضِ بعدَ شرائِهَا عندَ البائعِ، أوْ لو أعطينَا البائعَ مبلغًا أكبرَ من المطلوبِ علَى سبيلِ المثالِ، ونسينَا أخذَ باقِي المبلغِ المدفوعِ مِن البائعِ؛ كلُّ ذلكَ عاديٌّ وطبيعيٌّ ولَا يثيرُ الخوفَ والريبةَ.
فمَن منَّا يشكُّ فِي ذاكرةِ عالمِ النظريَّةِ النسبيَّةِ العبقريِّ (ألبرت أينشتاين) الذِي قُدِّرتْ نسبةُ ذكائِهِ بأكثرِ مِن (160)، وهي نسبةٌ متفوِّقةٌ جدًّا، ومعَ ذلكَ فيروَى والعهدةُ علَى الرَّاوي، أنَّ (أينشتاين) ركبَ الحافلةَ فِي إحدَى المرَّاتِ مِن أمامِ جامعةِ برينستون بولايةِ نيو جيرسي الأمريكيَّة، وهُو فِي طريقهِ للمنزلِ، وبعدَ تحرُّكِ الحافلةِ طلبَ منهُ المفتشُ المسؤولُ عَن الحافلةِ تذكرةَ الركوبِ، بدأَ (أينشتاين) فِي البحثِ عَن تذكرةِ ركوبِ الحافلةِ فِي معطفِهِ، وقميصِهِ، وحتَّى فِي جيوبِ سروالِهِ، ولكنَّهُ لمْ يجدْهَا؛ عندهَا قالَ لهُ المفتشُ يَا سيِّد (أينشتاين) نحنُ نعرفُكَ ولا داعيَ أنْ تشغلَ نفسَكَ فِي البحثِ عَن التذكرةِ، ومعَ كلِّ ذلكَ استمرَّ (أينشتاين) بالبحثِ في حقيبتِهِ، وعلَى المقعدِ وأسفلَ منهُ، وعلَى أرضِ الحافلةِ ولمْ يجدهَا؛ وقدْ لاحظَ كلَّ ذلكَ المفتشُ المسؤولُ، وقالَ لهُ يَا سيِّد (أينشتاين) لَا داعيَ لكلِّ هذَا الأمرِ فلستَ مطالبًا بإظهارِ تذكرةِ ركوبِ الحافلةِ؛ وعندهَا قالَ (أينشتاين) للمفتشِ المسؤولِ: «ليستِ المشكلةُ فِي فقدانِ التذكرةِ، المهمُّ أنْ أجدَ التذكرةَ لِكَي أعرفَ أينَ أنَا مسافرٌ»، مِن أجلِ ذلكَ علينَا عدمُ القلقِ مِن النسيانِ.