في مقهَى بمُنتجعِ الشفَا فِي الطائفِ؛ سمِعْتُ صوتَ حشرةٍ تحومُ طيرانًا حولَ أُذُنِي، فحسِبْتُها ذُبابةً، لكنِّي عندمَا هشَشْتُ بيدِي علَى أُذُنِي؛ كَي تطيرَ بعيدًا عنِّي أدْرَكْتُ أنَّها ليستْ ذُبابةً، بلْ نحلةٌ ضخمةٌ هِي حتمًا مَلَكةٌ، ولهَا دويٌّ لمْ أفُرِّق بينهُ وبينَ طنينِ الذُبابِ، ويبدُو أنَّني (غشيمٌ) فِي مادَّةِ الأحياءِ وعلومِ الأصواتِ!.
وأختنَا مَلَكةُ النَّحلِ غضبتْ منِّي فلدغتْ سُبابةَ يدِي، وغَرَزَتْ فيهَا شوكةً بُنَّيةً طويلةً، فشعرْتُ بآلامٍ مُبرِّحةٍ في السُبابةِ، وسُرعانَ مَا تورَّمتْ واحمرَّتْ، واسْوَدَّ مكانُ اللَّدغةِ، وصارَ مثلَ أسفلتِ الشوارعِ، فطلبْتُ من عاملِ المقهَى مُعقِّمًا فلمْ يجدْ، لكنَّه حينَ رأَى سُبابتِي وكيفَ تحوَّلتْ إلَى عملاقةٍ مقارنةً بأخواتِهَا أصابعِ يدِي الأُخْرى أصابهُ الهلعُ واصطحبنِي للصيدليَّةِ الوحيدةِ الموجودةِ فِي الشفَا!.
والحمدُ للهِ أنَّنا أدركنَا الصيدليةَ قبلَ أنْ تُغلقَ بابهَا فِي تمامِ الساعةِ الثانيةِ ظهرًا!! رغمَ وجودِ العديدِ مِن السُيَّاحِ الذِينَ قدْ يحتاجُونَ لخدماتِهَا، وأهدِي نسخةً مِن هذهِ الملحوظةِ لوزارتَي الصحَّةِ والسِّياحةِ!.
ثمَّ اشتريْتُ مرهمَ حساسيَّة، ودهنْتُ سُبابتِي بهِ، واقترحَ عليَّ الصيدليُّ الذهابَ فورًا لمستشفَى أو مركزٍ صحيٍّ فِي الطائفِ البعيدِ عَن الشفَا بأكثر مِن 21 كيلومترًا لأخذِ حُقنةِ الحساسيَّةِ، ومعالجةِ السُمِّيَّةِ الناتجةِ عَن اللدغةِ، لكنِّي تريَّثْتُ قليلًا، ثمَّ زالَ التورُّمُ والألمُ بعدَ ساعتَينِ، وهكذَا نصرنِي اللهُ علَى جلالةِ مَلَكةِ النَّحلِ!.
وبالطبعِ تحصلُ حوادثُ مثل هذهِ فِي المُنتجعاتِ الجبليَّةِ، لِي ولغيرِي، ولا يتسبَّب فيهَا النَّحلُ فقطْ، بلْ ربَّمَا عضَّةٌ مِن قردِ بابون متوحِّشٍ وجائعٍ، أو كلبٍ مسعورٍ، أو ثعبانٍ سامٍّ، أو عقربٍ خبيثٍ؛ ممَّا هُو أسوأُ من لدغةِ النحلِ، فهلْ تتوفَّرُ فِي منتجعاتنَا الجبليَّةِ البعيدةِ عَن المدنِ مراكزُ متخصِّصة لعلاجِ الحالاتِ الطارئةِ التِي قدْ يموتُ بسببِهَا سُيَّاحٌ إذَا تأخَّر العلاجُ؟ والجوابُ حسبَ مَا قالَ الصيدليُّ هُو (كلَّا) فمَا رأيُ وزارتَي الصحَّةِ والسِّياحةِ؟!.
وختامهَا مسكٌ إذْ أشكرُ النحلةَ المَلَكةَ، فرغمَ لدغتهَا الأليمةِ إلَّا أنَّها أشعرتنِي أنَّني عكسُ مَا قد أُوصفُ بهِ، فالنحلةُ تحومُ حولَ الأشياءِ الجميلةِ، وإذنْ فأنَا لَسْتُ قبيحًا، وتحطُّ علَى الزهورِ والورودِ، وتمتصُّ رحيقهَا، وهنَا تأكيدٌ لزهوريَّتِي ووروديَّتِي الموجودتَيْنِ فِي شخصِي المتواضعِ، (معليش).. هلوسةُ كاتبٍ ملدوغٍ!.