تظلُّ نعمةُ الصحَّةِ مِن أكبرِ النعمِ، التِي لا يُعرفُ قدرهَا إلَّا عندَ فقدهَا، حيثُ تتَّسعُ الآمالُ بالإنسانِ حالَ صحتهِ، وتتعدَّد، فيذهبُ مَعَ تلكَ الآمالِ، والأحلامِ إلى حيثُ أنْ يُريدَ كلَّ شيءٍ، ويحلمَ بكلِّ شيءٍ، زادهُ فِي ذلكَ مَا يتمتَّعُ بهِ مِن صحَّةٍ، وعافيةٍ، ثمَّ لَا يلبثُ حالَ مرضهِ أنْ يختزلَ كلَّ تلكَ الفضاءاتِ مِن الآمالِ فِي أمنيةٍ واحدةٍ ألَا وهِي أنْ تعودَ إليهِ صحتهُ.
نعمْ فالصحَّةُ النعمةُ العظيمةُ، والهبةُ الربانيَّةُ، التِي لا يُنازعهَا فِي مكانتهَا بعدَ نعمةِ الإيمانِ أي نعمةٍ، ولَا يعوِّضهَا مالٌ، ولا مكانةٌ، هِي التاجُ، الذِي قدْ يغفلُ عَن رؤيتهِ حاملهُ، ويراهُ كلُّ مَن فارقتْ جسدهُ، فجاءَ ذلكَ التعبيرُ البليغُ، الذِي أوجزَ لسانَ الحالِ بـ(الصحَّةِ تاجٌ علَى رؤوسِ الأصحَّاءِ لَا يراهُ إلَّا المرضَى).
ولأنَّ ذلكَ (التاجَ) لَا يُقدِّرُ بثمنٍ، أصبحَ همُّ طلبهِ هاجسَ الجميعِ، إلَّا أنَّه فِي غمرةِ ذلكَ الزحامِ، وجدَ الدخلاءُ علَى الطبِّ فرصةً للترويجِ عَن وصفاتٍ تعجُّ بهَا قنواتُ التواصلِ، وهِي وصفاتٌ لمْ تخضعْ لِمَا يمرُّ به العلاجُ مِن مراحلَ حتَّى يتمَّ اعتمادهُ، ومَن يتحدَّث عنهُ ليسَ لهُ علاقةٌ بالطبِّ، والدواءِ، سِوَى أنَّه عملَ تلكَ الخلطةَ أو وُصفتْ لهُ مِن شخصٍ آخرَ، عدَا ذلكَ لا يعلمُ عَن آثارِهَا، ومدَى مناسبتِهَا لمَن يقرِّرُ أنَّ يستخدمهَا.
وهُو مَا يستوجبُ التدخلِ مِن الجهاتِ المعنيَّةِ لـ(تحجيمِ) هذهِ الموجةِ الآخذةِ فِي التصاعدِ، وفِي هذَا يحضرنِي تلكَ التجربةُ، التِي يرويهَا مَن أوصلهُ أمرُ إحدَى وصفاتِ قنواتِ التواصلِ إلى العنايةِ المركزةِ، ليعيشَ أيَّامًا بينَ الحياةِ والموتِ، ثمَّ بعدَ أنْ أنجاهُ اللهُ ظهرَ محذِّرًا منهَا، ومِن الترويجِ لهَا، ويبقَى السؤالُ: ماذَا عَن مصيرِ مَن تأذَّى منهَا، أو مِن غيرِهَا مِن الوصفاتِ (السوشيال مدييه)، ولمْ يتحدَّث؟
ثمَّ فِي شأنٍ آخرَ فقدْ وجدَ عينةً مِن ضعافِ النفوسِ فِي سعيِ المريضِ للعلاجِ، وبحثهِ عَن (لباسِ) العافيةِ، فرصة للكسبِ الماديِّ، وبمبالغَ طائلةٍ، والنتيجةُ أنَّ لم تزد الوضعَ سوءًا، فإنَّها لا تسجِّل فِي تحسُّنِ الحالةِ الصحيَّةِ أي تقدُّم، وهنَا يحضرنِي مقطعٌ آخرُ لمريضٍ ذهبَ ضحيةً لأحدِ تلك الإعلاناتِ فظهرَ ليقسمَ أنَّه لمْ يستفدْ مِن تلكَ الوصفةِ شيئًا، عدَا أنَّه أضافَ علَى خسارةِ الصحَّةِ، خسارةِ المالِ.
إنَّ أمرَ العلاجِ، والبحثِ عَن العافيةِ حقٌّ ومطلبٌ لكلِّ مريضٍ، ولكنَّ تلكَ الوصفاتِ كمَا لَا يعلمُ مكوِّناتهَا، ولا مصدرهَا، ولا مدَى مناسبتهَا لمَن يتناولهَا، فإنَّ مِن المهمِّ أنْ يكونَ هنالكَ وقفةُ (نظام)، ورادعٌ من (قانونٍ) تجاهَ مَن يروِّجهَا، وكذلكَ تجاهَ كلِّ دخيلٍ علَى الطبِّ، وأمر العلاجِ، حيثُ إنَّ حياةَ الآخرِينَ، وسلامتهُم ليستْ مجالًا للتربُّحِ، والتجريبِ، فالطبُّ، الذِي يقضِي فيهِ الطالبُ حتَّى يصبحَ طبيبًا سبعَ سنواتٍ مِن الجهدِ، والتعبِ، ومواصلةِ الليلِ بالنهارِ، لا يمكنُ أنْ يُختزلَ في خلطةِ أمِّ فلانٍ، وعلاجكَ فِي بسطةِ علَّانٍ، لكُم السَّلامةُ، ولكلِّ مريضٍ الدُّعاء بالشِّفاءِ.. وعلمِي وسَلامتكُم.