Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
د. علي آل شرمة

العشوائيات.. ملكيات مشبوهة وأراض منهوبة

A A
تُعدُّ ظاهرة التعدِّي على الأراضي الحكوميَّة وتجييرها لمنافع شخصيَّة بطرق غير قانونيَّة؛ من الظواهر القديمة التي يعاني منها المجتمع منذ عشرات السِّنين. ومع بداية الطَّفرة والنَّهضة الاقتصاديَّة التي شهدتها المملكة، والزيادة المطَّردة في عدد السكَّان، فقد تزايدت هذه الممارسات السالبة، إذ أقدم كثير من ضعاف النفوس على سرقة مساحات كبيرة من الأراضي الحكوميَّة؛ بعد أنْ قاموا بإنشاء مبانٍ عليها وتسويرها.

الغريب في الأمر أنَّ معظم مَن اعتدوا على الأراضي الحكوميَّة؛ وارتكبوا معصية تتعارض مع مبادئ الدِّين الإسلامي الحنيف، يحاولون تبرير هذا الفعل المرفوض، بتحريف بعض الفتاوى، لتتوافق مع ما ارتكبوه من جُرم، وزعموا أنَّ ما فعلوه هو نوع من إحياء الأرض وإعمارها. لذلك فإنَّهم لم يكتفوا بالاستيلاء على ما ليس لهم، بل حاولوا تشويه مبادئ الدِّين، الذي اهتمَّ بصيانة الحقوق، ومنع التغوُّل على أملاك الدولة.

ولخداع السلطات المسؤولة؛ يلجأ لصوص الأراضي للعديد من الحِيل والأساليب الملتوية، مثل إنشاء مبانٍ سكنيَّة بلا أعمدة، أو صبَّات خرسانيَّة، كما يفضّلون البناء بأسلوب الأعمدة الحديديَّة والهناجر؛ لأنَّها لا تتطلَّب كثيرًا من الوقت. كما يركِّزون على إنشاء مبانيهم العشوائيَّة خلال ساعات الليل، وفي عطلة نهاية الأسبوع؛ لضمان عدم مراقبتهم من مفتشي وزارة البلديات والإسكان والفرق الرقابيَّة، وغيرها من الأجهزة المختصَّة.

ولإعطاء انطباع بأن تلك المباني قديمة وليست حديثة، فإنهم يقومون بزراعة العديد من الأشجار المكتملة النمو أمام مبانيهم. كما يلجأ بعضهم لتزوير وثائق بملكية هذه الأراضي لشخصيات عامة ومعروفة وبعيدة عن الشبهات دون علم أصحابها، وذلك لخداع المفتشين والفرق الرقابية؛ وإرهابهم بقدرة هذه الشخصيات على ملاحقتهم ومقاضاتهم.

والمؤسف في الأمر أنَّ بعض ضعاف النفوس لا يكتفون بذلك، بل يقومون ببناء مساجد وجمعيَّات خيريَّة يكتبون تواريخ قديمة لإنشائها على لوحات عند الأبواب؛ لزيادة التمويه والخداع.

إذا بحثنا عن أسباب انتشار التعدِّي على الأراضي الحكوميَّة؛ سنجد أنَّ بعض المسؤولين قد تواطأوا مع أولئك اللصوص بغضِّ الطَّرف عن تجاوزاتهم، ممَّا أدَّى إلى استشراء الظاهرة التي لا تكاد تسلم منها أيٌّ من مدن المملكة، حيث تنشر الصحف في كثير من الأحيان أنَّ الفرق الرقابيَّة المختصَّة قامت باسترداد مساحات شاسعة من تلك الأراضي، وأزالت المباني التي عليها.

وأثبتت تحرِّيات الأجهزة المختصَّة في حالات كثيرة؛ أنَّ البعض قام بتزوير أوراق تلك الأراضي المنهوبة؛ بذريعة أنَّها مِنح سكنيَّة، وذلك من خلال استغلال بعض المسؤولين مناصبهم الوظيفيَّة وخيانتهم للأمانة التي حُمِّلوا بها، حيث يُفترض أنَّهم مَن يحرسون الحق العام، لكنَّهم تحوَّلوا -بكل أسف- إلى لصوص.

ولا يخفَى علينا جميعًا بطبيعة الحال؛ المضار الكثيرة التي تترتَّب على هذه الممارسات السالبة، فغالبية الأراضي التي تمَّت سرقتها كانت مخصَّصة في الأساس لإنشاء مرافق عامَّة عليها، مثل المدارس، أو الحدائق، أو المساجد، أو لجعلها ميادين وساحات عامَّة للمواطنين. لذلك فإنَّ مَن يستولون عليها يحرمون المجتمع منها، كما أنَّ ذلك يتسبَّب في الضغط على منظومة الخدمات العامَّة مثل الكهرباء والمياه والصرف الصحي وغير ذلك.

ويبقى التصدِّي لهذه الظاهرة هدفًا في غاية الأهمية. وأول خطوة في هذا الاتجاه تكمن في تفعيل القانون بحق المتجاوزين، وعدم إيصال الخدمات لأيِّ أراضٍ لا يحمل أصحابها صكوك ملكيتها، لمنع نشوء مناطق عشوائيَّة. كما ينبغي تطبيق الأنظمة بحق مَن اعتدوا على أراضي الدولة؛ وإلزامهم بإزالة المباني العشوائيَّة خلال 10 أيام حسبما ينص القانون، ودفع تكاليف الإزالة وتسديد جميع ما يترتَّب على التعدِّي من تعويضات للمتضررين، وإعادة الموقع إلى ما كان عليه قبل التعدِّي.

ولأنَّنا نعيش في هذا العهد المبارك، تحت قيادة خادم الحرمين الشَّريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، وولي عهده الأمير محمد بن سلمان -حفظهما الله-، حيث تسود لغة القانون، ونشهد جميعًا حملة واسعة ضد أوكار الفساد المالي والإداري، فإنَّنا على ثقة تامَّة بأنَّ هذه الظاهرة في طريقها للاندثار، وأنَّ كافَّة مَن أجرموا في حق هذا الوطن سينالون جزاءهم الرادع، كائنًا مَن كان، كما قال قائد المسيرة.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store