استطاعَ هذَا الرجلُ أنْ يحفرَ اسمَهُ بقوَّةٍ، مِن خلالِ مبادراتِهِ العديدةِ فِي خدمةِ العروبةِ والإسلامِ.
ارتبطَ الأديبُ والرحَّالةُ الدكتورُ عبدالوهاب عزام بالمملكةِ العربيَّةِ السعوديَّةِ ارتباطًا وثيقًا عبرَ سنواتٍ عديدةٍ من عمرهِ، وزارَ الأراضيَ المقدَّسةَ مرَّاتٍ ومرَّاتٍ بقصدِ الحجِّ والعُمرةِ والزِّيارةِ، فضلًا عَن زياراتٍ للعملِ في السلكِ الدبلوماسيِّ والتَّعليمِ الجامعيِّ.
وفي هذَا السياقِ، لابُدَّ من الإشارةِ إلَى أنَّ عبدالوهاب عزام هًُو مِن مؤسِّسي جامعةِ الملكِ سعودٍ عامَ 1957م، وعملَ كأوَّلِ مديرٍ لهَا، وظلَّ يحاضرُ بهَا حتَّى وفاتِهِ عام 1959م.
لم تقتصرْ عطاءاتُ عبدالوهاب عزَّام على الجانبِ التعليمي، وإنَّما امتدَّت لتشملَ المجالاتِ الفكريَّةَ والسياسيَّةَ والأوروبيَّةَ، وبالتِّالِي فلَا غروَ أنْ يصبحَ أحدَ روَّادِ الحركةِ الفكريَّةِ العربيَّةِ.
في منتصفِ العشرينيَّاتِ إلى الخمسينيَّاتِ؛ أوقفَ حياتَهُ -يرحمهُ اللهُ- لتأليفِ الكُتبِ، ونقلِ الآثارِ، وترجمَ للعلماءِ، وارتادَ العديدَ مِن الأماكنِ، وكانَ يُوصفُ -يرحمه الله- بأنَّه موسوعةُ لغاتٍ؛ لأنَّه أجادَ أغلبَ لغاتِ الغربِ والشَّرقِ.
درسَ بالأزهرِ الشريفِ دراسةً منتظمةً، وكانَ يجيدُ الإنجليزيَّةَ والفرنسيَّةَ، ومتمكنًا مِن الفارسيَّةِ والتركيَّةِ والأورديَّةِ، وكانَ ينقلُ عنهَا إلى العربيَّةِ.
فهُو أديبٌ وشاعرٌ وباحثٌ متميِّزٌ، لهُ دراساتٌ وفصولٌ في الأدبِ والتاريخِ، وهُو أيضًا رحَّالةٌ، حيثُ طافَ الكثيرَ مِن البلدانِ، وسجَّلَ فيهَا مشاهداتِهِ ورحلاتِهِ، وهُو مترجمٌ حاذقٌ نقلَ عَن الفارسيَّةِ الكثيرَ مِن روائعِ الأدبِ.
سجَّل مشاعرهُ الفيَّاضةَ حولَ الكعبةِ والمناسكِ بأسلوبٍ أدبيٍّ بديعٍ، يقولُ:
قدْ تَسَاوَينَا جَمِيعًا
حِينَ قُمْنَا لِلصَّلاةِ
وَرَكَعنَا وسَجَدَنَا
فَاسْتَوتْ مِنَّا الجِبَاه
إنَّمَا نحنُ سَواءٌ
عمَّنَا شرعُ الإِلَهِ
جَمَعتَنَا وَاجِبَاتٌ
وَحُقُوقٌ فِي الحَياةِ
غَيرَ أنَّا فِي فنُونِ
العَيشِ مَا فِينَا اشْتبَاه
وترجمَ لإقبال قصيدةً نظمهَا وهُو يزورُ مسجدَ قرطبةٍ، فنقلهَا إلَى العربيةِ شعرًا.
مِن سماتِ بلادنَا الغاليةِ أنْ تحفظَ المعروفَ لكلِّ مَن ساهمَ فِي التنميةِ بكلِّ أشكالِهَا، لأبنائِهَا أوَ لمَن وفدَ إليهَا.
فِي هذَا السياقِ، لعلِّي أستعيرُ مَا أفصحَ عنهُ وزيرُ التجارةِ الدكتورُ ماجد القصبي قبلَ فترةٍ؛ حينَ شاركَ مشاعرَهُ المترعةَ بالحنينِ إلَى الماضِي ولحظاتِ طفولتِهِ، معبِّرًا عَن امتنانِهِ لمصرَ، قائلًا خلالَ لقاءِ رئيسِ الوزراءِ المصريِّ معَ القطاعِ الخاصِّ السعوديِّ الذِي نظَّمهُ اتحادُ الغرفِ فِي الرياضِ: «أذكرُ فِي طفولتِي أنَّ أستاذِي كانَ مصريًّا، ودكتورَنَا أوْ مهندسنَا كانَ مصريًّا، والعمَالةُ مِن أشقائِنَا المصريِّينَ». مشدِّدًا علَى أنَّ «علاقاتِ البلدَينِ لمْ تقفْ علَى هذهِ المرحلةِ، بلْ إنَّ الثقافةَ والأفلامَ والمسرحيَّاتِ والأغانِي كانتْ مصريَّةً، ومصرُ رسخَّتْ ثقافتهَا فِي أذهانِ الكثيرِ مِن السعوديِّينَ».