أدب الرحلات هو شكل من أشكال التعبير اللغوي، يصور فيه الكاتب ما جرى له من أحداث، وما صادفه من أمور أثناء رحلة قام بها لأحد البلدان، وكتب أدب الرحلات تُعد من أهم المصادر الجغرافية والتاريخية والاجتماعية في الثقافة البشرية؛ لأن الكاتب يستقي المعلومات من المشاهدة الحية، ومن التجارب الشخصية التي مرَّ بها أثناء الرحلة.
ولم تكن ثقافة العربي بعيدة عن فكرة أدب الرحلات، إذ إنني أرى أنها متأصلة فيه؛ فالشاعر الجاهلي كان حريصاً في قصيدته على وصف ما يراه في حله وترحاله، ومن هنا كان نموذج القصيدة العمودية؛ فقد كان يصف ما يراه من أطلال محبوبته، ثم يصف راحلته، ثم ينقل إلينا ما يراه أثناء رحلته في الصحراء بحثاً عن الديار الجديدة لمحبوبته، ومن خلال ذلك الوصف البديع؛ تعرفنا على طبيعة الحياة العربية القديمة.
إن الحديث عن مشاهد الرحلات وما يراه المترحل رؤية مباشرة؛ لطبع أصيل في الإنسان، وهذا ما نجده لدي الكثير من المؤلفين والكتاب؛ مثل: (ابن بطوطة) و(ماركو بولو) و(تشارلز داروين) و(أندريه جيد) و(نجيب محفوظ) وغيرهم؛ فرغم التباين الكبير فيما بينهم؛ لكن الفكرة التي تجمعهم هي فكرة الرحلة نفسها.
لقد نشط أدب الرحلات على أيدي الجغرافيين والمستكشفين؛ الذين اهتموا بتسجيل كل ما تقع عليه عيونهم أو يصل إلى آذانهم؛ حتى لو كان خارج نطاق المعقول، أو يدخل في باب الخرافة، وقد ترك هذا التوجه أثراً واضحاً على الخاصة والعامة، وخصوصاً القص الشعبي؛ فظهرت قصص كثيرة، مثل قصة (سندباد) الذي يُعد رمزاً للرحالة العاشق للرحلة، والقصص الأدبية، مثل (قصة ابن طفيل) عن حي بن يقظان، ورسالة (الغفران) لأبى العلاء المعري، كما تُعدُّ الملاحم الشعرية والأدبية الكبرى في تاريخ الإنسانية؛ من أدب الرحلات، مثل: ملحمة (الأوديسا) الإغريقية، وملحمة (جلجامش) البابلية، وملحمة (أبوزيد الهلالي) العربية، وغيرها الكثير من المؤلفات الأدبية؛ لأن هذه الملاحم تنبني في جوهرها على حكاية رحلة يقوم بها البطل لتحقيق هدف معين، وقد تنبني تلك الرحلات الأسطورية على بعض الوقائع التاريخية أو الشخصيات الحقيقية في عصر ما، ثم يترك الشاعر أو الكاتب لخياله العنان؛ ليخلق الملحمة التي هي خلاصة رؤية المجتمع لقضاياه الكبرى في مرحلة زمنية معينة.
ومع تقدم الفكر والثقافة ظهرت أشكال أدبية حديثة تحكي تجارب علماء وكتاب ومفكرين جابوا الأرض شرقاً وغرباً، وأضافوا الكثير والكثير إلى أدب الرحلات، وأصبح ما قدموه للمكتبة العربية والعالمية إضافة ثرية للفكر الإنساني، لما قدموه من معارف ومعلومات وأفكار تخدم الإنسان في حله وترحاله؛ مثل: (حول العالم في ٢٠٠ يوم) للكاتب أنيس منصور – و(تائه في لندن) للكاتب محمد عفيفي- و(كتاب الأسفار) للكاتب جمال الغيطاني- و(مفاكهة الخلان في رحلة اليابان) للكاتب يوسف القعيد - و(أساطير السفر السبعة ) للكاتبة شيرين عادل.. ولم تخلُ المملكة من كتاب وطنيين أضافوا للمكتبة العربية فيضاً من أدب الرحلات؛ جاء في صدارتهم: الأستاذ عاتق البلادي- والأستاذ عبدالله المزروع- والأستاذ عبدالله الجمعة- والشيخ محمد ناصر العبودي.