في حارتنا تُوجد ٣ مساجد، وحظي اثنان منها برعايةِ بعض الأثرياء، الأمر الذي جعلهما في حالٍ مقبولةٍ، عكس المسجد الثالث، الذي له حكاية تستحقُّ السَّرْدَ، إذ كان تشطيبه من الداخل متواضعًا؛ ممَّا لا تتوق له نفوس المُصلِّين البشريَّة، رغم أنَّ أفضليَّة المساجد ليست بتشطيبها، بل بروحانيتها الأرقى من المادِّيات الزَّائلة.
وقد تُرِكَ هذا المسجد طويلاً بلا تحسيناتٍ، ثمَّ فجأةً اجتمع أهل الخير، وتواصوا بالخير، وقرَّروا عمل الخير الذي سيُوضع في موازين الحسنات.
كان في أرضيَّة المسجد هبوط جزئي في البلاط؛ بسبب عدم وضع شبكة حديد للخرسانة تحته، وكُنتُ عندما أُصلِّي فيه أَرَى الذي بجانبي -ورغم تساوينا في الطول- إمَّا أطولَ منِّي أو أقصرَ حسبَ المكان الذي نحن فيه، فخلع أهل الخير كلَّ البلاط، وركَّبوا الشبكة، وساووا بين مناسيب الأرضيَّة، ثمَّ رخَّموها برخام أبيض فاخر مثل الثلج، وألبسوا أسفل جُدران المسجد بالرُّخام، وكَسَوْا أعلاها بتكسياتٍ جبسيَّةٍ جميلةٍ، وتسرُّ النَّاظرين، واستبدلوا بالنوافذ القديمة، نوافذَ جديدةً، وكسوْها بستائرَ رائعة، فبدا المسجد من الداخل وكأنَّه صالون ضيافة لقصرٍ رفيعٍ، وركَّبوا إضاءات LED تُرشِّد الكهرباء، ومُريحة للعين، ويقوى ضوؤها أوتوماتيكيًّا عند إقامة الصَّلاة، ويخفت بعدها، وزوَّدوا المسجد بدواليب تكييف جديدة، فصار المسجد وقت الصَّلوات بردًا وسلامًا، وكأنَّك في أحد مساجد طرابزون التركيَّة الباردة، واستبدلوا بأبواب المسجد الخشبيَّة، أُخْرى من زجاجٍ متينٍ؛ كَي يرى النَّاس من خارج المسجد الأماكن الشَّاغرة فينتظمُون في الدخول، وركَّبوا أرائك في الصفَّيْن الأوَّل والثَّاني يتَّكئُ عليها المُصلُّون بعد الفراغ من الصَّلاة، مع مقاعد لكبار السِّنِّ الذين لا يقدرون على القيام، ولم يُغطُّوا كامل رخام الأرضيَّة بالسجَّاد الجديد؛ لتبيان جمال الاثنين، فبدا سُجَّاد أماكن صفوف المُصلِّين مُحاطًا بمماشِي رُخاميَّة بنفس المنسوب، وكأنَّه قد حُفِر له وسط الرُخام، ووضعوا في مؤخِّرة المسجد كنبات للاستراحة، ومقعد مساج وتدليك كهربائي، يعني تدليلًا للمُصلِّين وكأنَّهم في مركز علاج طبيعي بالمجَّان، وبنوا رفوف أحذية المُصلِّين خارج أبواب المسجد من معدن الستينليس، وكأنَّك في مُول، أو فندق خمسة نجوم.
أمَّا أنا فصِرْتُ من مُرتادي هذا المسجد الدَّائمين، والشَّاهد هو حاجة بعض المساجد في المُدن والقُرى وعلى الطُّرق السَّريعة لتحسيناتٍ عاجلةٍ بعد تدهور العديد منها، ويقوم بها أهل الخير، أو الجهات الحكوميَّة المعنيَّة، ولتكن التحسينات سببًا لتهافت الناس عليها؛ طلبًا لراحة النفس والبدن، وقُرَّةً لعيونِ الناظرين، وسكينةً للروح، وإقامة الصلاة بخشوعٍ وخضوعٍ.