Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
أ.د. صالح عبدالعزيز الكريّم

البصمة الوراثية «أبوية» وليست «نَسبية»!!

A A
في لقاء ثقافي عابر، في منزل المهندس باسم الشريف، قدَّم الدكتور حاتم الجفري عرضًا علميًّا يردُّ في نهايته على مَن ادَّعى أنَّ النسب الشجري لآل البيت، أو النسب للقبائل، أو العائلي يثبت من خلال البصمة الوراثيَّة، والـDNA.

لقد كتبتُ مقالًا تفصيليًّا مطولًا بعنوان (البصمة الوراثيَّة والأبوة البيولوجيَّة)، شرحتُ فيه تفصيلًا عن مفهوم البصمة الوراثيَّة، والنواحي الجينيَّة، والاستدلالات بهما جنائيًّا وأبويًّا، لا شكَّ أنَّ هناك غلطًا ولغطًا لغير المتخصِّصين بالذهاب في المسار العلمي للمادة الوراثيَّة (DNA)، واستخدامها في غير محلها؛ ليتحقق من خلالها أوهام في ضم أناس لنسب معيَّن، واستبعاد آخرين منه، أو أن يُبنى عليها قضايا في النَّسب غير ثابتة، أو يكون من خلالها تشويه أنساب الآخرين وكأنَّ الـDNA، والبصمة الوراثيَّة أصبحا سلاحًا يشهر للنَّيل من أنساب الناس، إنَّ هذا خطأ كبير، وعواقبه وخيمة، وهو ما حذَّرت منه المجامع الفقهيَّة في قراراتها، ونبَّهت إليه مرارًا وتكرارًا، بل منعت منعًا باتًا استخدامه لهذا الغرض، وأنَّه لا يصحُّ شرعًا، ولا يُقبل اجتماعيًّا، كما أنَّه أصلًا غير ثابت علميًّا وتقنيًّا أنْ يُستدلَ بالبصمة الوراثيَّة في الاستدلال النَّسبي.

إنَّ الحقيقة التي أكَّدتها في اللقاء، كما وضَّحها جليًّا العديد من الباحثين، ومنهم الدكتور حاتم الجفري، انه لا يمكن إثبات سلالة النسب غير الأبوة البيولوجية فقط، باستخدام البصمة الوراثية، والـDNA، بالإضافة إلى استخدامها في إثبات الجرائم الجنائية، وحصر الموضوع عليهما فقط، والسبب في ذلك أنه لا توجد عينة كمرجع وراثي من خلايا حية تحتوي على المادة الوراثية (DNA) للمقارنة إلا بين الابن وأبيه في حالة الأبوة البيولوجية، وبين المجرم وما يتم الحصول عليه من خلايا له مثل الدم، أو الشعر في حالة الجرائم، أما في حالة النسب خاصَّة النَّسب لأجداد بعيدين في الزَّمن، فعينة الذي يُراد أن يُنسب له موجودة، لكن من يُنسب إليه قبل مئات السنين غير متوفِّرة، وليست موجودةً، فيقارن سلسلة الـDNA بماذا؟

إنَّ العالم المتحضِّر والإنساني اليوم يستفيد من نتائج واكتشافات العلم والبحث العلمي فيما يطوِّر حياته، وينفع صحته، ولا يبحث في تفاهات الأمور، وملاحقة بعضهم بعضًا فيما يخصُّ أنسابهم، بعكس أبناء وبنات الأُمة المشهودة لها بالخيريَّة، يلتهون باستخدام المنتج العلمي فيما لا يحقِّق إلَّا تباعدهم عن بعضهم، ولوي أعناق العلم الحقيقي، والافتراء عليه، بل والكذب في استخدامه؛ لأنَّ ليس هناك أحدًا من علماء الوراثة والجينات يقول بالإمكان إثبات أيِّ نسبٍ بعيد بدون وجود عينة مقارنة، وصدق رسول الله -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ- فيما ذكره في الحديث الصَّحيح، فيما يرويه مسلم عن أبي هريرة -رضيَ اللهُ عنهُ- عن النبيِّ -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ- قال: (اثْنَتَانِ فِي النَّاسِ هُمَا بِهِمَا كُفْرٌ: الطَّعْنُ فِي النَّسَبِ، والنِّياحَةُ عَلَى المَيِّتِ)، إنَّ القاعدة الذهبيَّة الأساسيَّة التي تميِّز البشر بعضهم عن بعض عند الله هي التَّقوى (إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقَاكُمْ) ويستوي البشر في مادة الخلق، وجميع المورثات والجينات، أنَّها من تراب، وستعود إلى تراب.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store