افتُتح في العاصمة السعودية الرياض الأربعاء 30 أكتوبر 2024م الاجتماع الأول للتحالف العالمي لتنفيذ «حل الدولتين»، الذي أطلقته المملكة بهدف ممارسة الضغط من أجل إقامة دولة فلسطينية. وقد كان الاجتماع يضم دبلوماسيين ومبعوثين من 90 دولة ومنظمات إقليمية ودولية لتقديم جدول زمني محدد لبناء وتنفيذ الدولة الفلسطينية، وحل الدولتين على طريق السلام الدائم والشامل في الشرق الأوسط.
وهذه الانطلاقة هي امتداد للمقترح الذي قدمه معالي وزير الخارجية صاحب السمو الأمير فيصل بن فرحان في كلمته في مجلس الأمن - في سبتمبر الماضي- بشأن فلسطين، وضرورة الاهتمام بالقضية الفلسطينية نظرا للآثار الخطيرة المترتبة على إطالة أمد الأزمة، وأنه تم نقض ٦ قرارات دولية من أصل 10 مطروحة، وحيث إن المسؤولية الأخلاقية والإنسانية تقع على مجلس الأمن، فمن الضروري الوصول إلى حل الدولتين كحل أساسي لاستقرار المنطقة، وضرورة الاعتراف من جميع دول العالم بفلسطين كدولة مستقلة بجانب دولة إسرائيل لتحقيق التعايش والسلام والأمن، وأعلن سموه عن إطلاق شراكة محورية مع اللجنة العربية الإسلامية المشتركة والاتحاد الأوروبي والتحالف الدولي لإطلاق حل الدولتين، استشعاراً منهم بالمسؤولية المشتركة للعمل على تغيير واقع الصراع.
وبهذا الخطاب التاريخي والإجراءات التنفيذية في المؤتمر؛ تضع المملكة مسؤوليتها كدولة كبرى في الشرق الأوسط وراعية للمقدسات الإسلامية، بجعل القضية الفلسطينية محور اهتمامها، وهي وكما كانت منذ تأسيسها على يد المؤسس الملك عبدالعزيز مروراً بجميع ملوك المملكة العربية السعودية على هذا المبدأ، في الوقت الذي كشف فيه نتنياهو عن مخطط إسرائيل الإستراتيجي، حينما أعلن عن تغيير خريطة المنطقة من خريطة سمَّاها اللعنة (The curse)، وهي خريطة إسرائيل الحالية، إلى خريطة (النعمة)، وهي إسرائيل الكبرى The blessing والتي أظهرت أطماع إسرائيل، ليس من النيل إلى الفرات فحسب، بل ودخول دول عربية أخرى.. وهنا تظهر الأطماع الإسرائيلية التي تدعمها السياسة الأمريكية الظالمة، والتي تعود إلى مخطط (برنارد لويس) في تفتيت العالم العربي والإسلامي والاستيلاء عليه، وهو يهودي بريطاني متطرف وضع نظريته الشهيرة: «إذا أردت السيطرة على العالم سيطر أولا على الشرق الأوسط»، ودعم هذه النظرية الغرب الاستعماري وأمريكا؛ نظرا لما يتمتع به الشرق الأوسط من مقدرات وهي: موقعه الجغرافي الذي يتوسط العالم، وما تحتويه من موارد طبيعية للطاقة والنفط، ووجود أهم ممرات الملاحة في العالم، وأن أي تحالف بين هذه الدول بعضها البعض يعني ذلك تهديدا لأي قوة تريد السيطرة على العالم.
إذن (طوفان الأقصى) كشفت نوايا إسرائيل والغرب الاستعماري وعلى رأسهم أمريكا في تقسيم الشرق الأوسط والهيمنة عليه عسكرياً، وهذا ما يفسر الدعم غير المحدود لإسرائيل..! فمن حق إسرائيل الدفاع عن نفسها حسب الزعم الأمريكي، ومن حق سكان إسرائيل التمتع بالأمن، فنرى لويد أوستين وزير الدفاع الأمريكي يعزي إسرائيل بعد قتل بضعة عشرات من الإسرائيليين، في حين يغمض عينيه عن قتل حوالي اثنين وأربعين ألف فلسطيني منهم ١٧ ألف طفل، ويغض الطرف عن سياسة التهجير القسري للسكان، وعن أساليب التجويع للشعب الفلسطيني، وكأني أرى المسيح الدجال يطل علينا، فهؤلاء ينظرون للأحداث بعين واحدة فقط.
وبهذا أخذت إسرائيل في نشاطها التوسعي لجنوب لبنان، وتمارس نفس السياسة الوحشية في غزة من التهجير القسري، وضرب المستشفيات، والتدمير للمنازل، ونزوح حوالى مليوني لبناني، بل استهداف الأونروا لمنع المساعدات الإغاثة الإنسانية، وتقوم بضرب قوات حفظ السلام (اليونيفيل).. وهذا قمة الغطرسة والتمرد على كل القوانين والأنظمة الدولية؛ كما ندد بذلك (جوزيف بوريل) مسؤول الخارجية في الاتحاد الأوروبي، مع أن هناك 183 دولة اعترفت بفلسطين، وترفض رفضاً قاطعاً ما يقوم به الكيان الصهيوني من هجمات وحشية بربرية في غزة ولبنان.
المشكلة أن هذه الحرب بالنسبة لإسرائيل هي حرب وجودية، وأنها في عقائدهم اللاهوتية هي أرض الميعاد، وقد شاهدنا الفيديو الذي ظهر من منظمة الاستيطان (عوري تسفون)، وتظهر الأب الذي يقرأ للطفل ذي الأربع سنوات قصة أن أرض لبنان والغابات الجميلة بها هي أرضنا، ويجب العودة للتنزه بها، وإذا كان العدو ما زال هناك فلابد من سحقه.. كتبها المستوطن في جامعة (أرئيل عاموس عازريا).. إنها تربية الأجيال اليهودية وزرع عقيدة العودة والاستيطان.
إذن لم يبق لنا إلا استمرار السعودية في تكوين قوة إقليمية ضاغطة ورادعة، وعزم وحزم عاهدناه سابقاً، وأقطاب متعددة متحالفة، ومشروع عربي إسلامي عالمي، فنحن نملك المال والقوة والموقع الإستراتيجي والإرادة، وأن حل الدولتين أمر حتمي لتحقيق الأمن والسلام الشامل للمنطقة.