كنا في الماضي، نحذر من مغبة الغزو الفكري، الذي تتبعه الدول الغربية، من أجل بسط نفوذها وسيطرتها شيئاً فشيئاً على الأمتين العربية والإسلامية، وذلك من خلال جذب انتباهها وتوجيهها نحو طريق معينة، عبر وسائل الإعلام المختلفة، التي تبعث برسائلها المغرية لفئة عمرية معينة، حتى ينقادوا خلفها ويقعوا أسرى أفكارها المضللة، ما أدى ويؤدي إلى تحريف البنية التحتية للأخلاق السوية، والمبادئ القيمة، والهوية الإجتماعية!
الاّن، لم يعد الغرب بحاجة لممارسة (الغزو الفكري) ضدنا، بعد أن تبناه بعض المخرجون العرب بالمنطقة، الذين غثونا بالأعمال الفنية المقلدة، التي لا تشبه بأحداثها وازيائها ومفاهيمها، أي من تفاصيل حياتنا الاجتماعية، لدرجة أنه لا يجد العاقل وصفاً لائقاً أمامها، غير: (غزو المسلسلات المحلية)!!
وإليكم، لمحة سريعة لبعض المسلسلات المحلية، التي يديرها مخرجون عرب، والتي تشكل بحقنا إساءة صريحة، وأولها: مسلسل (كرمال الولد)، الذي تميز بخفة دم بطل العمل حبيب الحبيب، والفنان القدير راشد الشمراني وعلي الحميدي وسعيد صالح، إلا أنه تعمد تصوير الشباب السعوديين، بأنهم شلة عصابة يخططون لسرقة شنطة، تجدها بالصدفة امرأة لبنانية وتسلمها للشرطة التي تشكرها على الأمانة النادرة!!
وثانيها، مسلسل (بيت العنكبوت)، والذي حمل قصة تراجيدية وأحداثا مشوقة، ولو كان للمشاهد دور في ترتيب اسماء ابطال العمل في تتر البداية، لوضعوا النجوم التالية: جبران الجبران، أصايل محمد، هاشم نجدي، إلا أنه تعمد تصوير الأسرة السعودية بأنها أسرة مفككة تحمل الحقد والضغينة، ولا تتوانى عن ارتكاب أبشع جريمة في سبيل الاستيلاء على الثروة والتركة، كما صوروا رجل الشرطة بأنه عاجز وغير قادر على حل أصغر قضية!!
وثالثها، مسلسل (خريف القلب)، وهو امتداد للعناوين الرنانة، وجودة الأداء التمثيلي للكوادر السعودية، وعلى رأسها عبدالمحسن النمر والهام علي، إلا أنه جاء نسخة مقلدة ومعربة من المسلسل التركي (عشق ودموع)، والذي لا يعكس الصورة النمطية لمجتمعنا بمرحلته الماضية أو حتى الحاضرة، وإنما قد يكون أمنية لصورته بالمرحلة المستقبلية، لدرجة أن نظرك لا يفارق شفاه الممثلين لشعورك بأنك تشاهد إحدى المسلسلات المدبلجة!!
وأخيراً، وليس اخراً، كل هذه المسلسلات المحلية التي يديرها مخرجون عرب، تروج لخروج الفتاة المراهقة للشارع بأي وقت كاشفة شعرها، تعزز للقناعة بأنه لا توجد وظائف متاحة غير: كاشيرة، سائق أجرة، عاملة منزلية، تخلق عواقب وخيمة لمن يتمسك بعاداته السوية، لدرجة أنه لا يجد العاقل وصفاً لائقاً أمامها -وأمام الحلقة الأخيرة الباهتة- غير: (غزو المسلسلات المحلية)!؟