Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
علي أبو القرون الزهراني

بين يدي المتقاعدين..!!

A A
.. قبل أيام، حضرتُ حفل تكريم، شارك فيه مسؤولون، ووجهاء، وأعيان، وإعلاميون في مكَّة المكرَّمة.. ولأنَّ لي فترةً لم أحضر هكذا احتفالات، فقد كان الحفل فرصةً للالتقاء بعدد من الأصدقاء الذين مضى زمن لم أرهم.

كان نظام الجلوس على طاولات مستديرة، وقد ضمَّت الطاولة التي أجلسُ عليها، والطاولة المجاورة وكيل وزارة، وخمسة من مديري العموم السَّابقين بمنطقة مكَّة المكرَّمة، وهم أصدقاء أعزَّاء، غير أنَّ بعد تقاعدهم تفرَّقت بنا السُّبل، وباعدت بيننا الأيام..

*****

.. بعد الأسئلة الشخصيَّة، بدأتْ أحاديث جانبيَّة، ودار حوار معمَّق حول بعض الموضوعات والقضايا.. وقد أفاضوا على الطاولة الكثير من خبراتهم وتجاربهم ورؤاهم.

ومن غير لا أشعر، سرحتُ بفكري إلى ذلك الوقت الذي مضى، وطاف بخيالي بعض الخطرات:

أولاها: هؤلاء بأسمائهم ووجوههم وأحاديثهم وأعمالهم كانوا ملء السَّمع والبصر في زمنهم، وحين تقاعدوا غابوا، فمَن غيَّبهم؟ طبيعة الزَّمن.. أم طبيعة المجتمع؟ كما كان يردِّد أديبنا الرَّاحل محمد حسين زيدان، بأنَّ (المجتمع دفَّان)؟.

وثانيتها: لماذا لا يُستفاد من المتقاعدين؟ وأعني -تحديدًا- أصحاب العقول المفكِّرة، وأصحاب الخبرات النَّادرة؟

لماذا نُلقي بالمتقاعدين جميعًا في سلَّة واحدة من كراسيهم، إلى قارعة الطريق؟

ألا يمكن الاستفادة مِن المبرزين بشكلٍ أفضلَ وأفيدَ..؟!

*****

.. أمَّا (طبيعة الزَّمن) فإنَّ النَّاس يميلون إلى حيث تميل الكراسي والمناصب، وبمجرَّد ما يغادر أحدهم الكرسي، ينفضُّ النَّاس من حوله، وتنقشع عنه!

كل تلك الدوائر الخادعة، التي كانت تحيطه بوهم المشاعر.

وأذكر أنَّنا ذات مرَّة قمنا -مجموعة من القيادات الإعلاميَّة- بزيارة شخصيَّة اعتباريَّة؛ للسَّلام عليه، وتهنئته بمناسبة تعيينه، وعند المقر، وجدنا زحامًا شديدًا والدخول بالدَّور و(بالكاد) سلَّمنا، ثمَّ في الطريق مررنا على سلفهِ الذي كان قبله وبيته غير بعيد، وهو شخصيَّة اعتباريَّة بذات الحجم، غير أنَّ المفاجأة أنَّنا لم نجده إلَّا هو وحده في صدر مجلسه، حاسي الرأس، ويقرأ في كوم جرائد أمامه..!!

وتذكَّرنا المسافة ما بين هناك وهنا، وتذكَّرنا هذا المجلس، الذي كان قبلًا يعجُّ بالزَّائرين والجُلَّاس، والأحاديث، ورائحة العود الفاخر.. إنَّها طبيعة الزَّمن وطبائع النَّاس.

وهنا تذكَّرت أنَّ القيمة الحقيقيَّة للإنسان هي ما بعد الكرسي، وليس خلاله...!

*****

.. أخيراً.. أعرف أن هناك برامج للمتقاعدين توفر العديد من المزايا المادية واللوجستية وهذا جيد، ولكني أعني العقول والخبرات التي يمكن البناء عليها والاستفادة منها.. وقد قرأت في برنامج «تقدير» فقرة (الاستفادة من خبرات المتقاعدين)، ولكن على المستوى الشخصي -على الأقل- لم أرَ ذلك التفعيل اللافت على أرض الواقع..!!

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store