* كل يوم يمر، أتذكَّرُ ما سبق أنْ كتبته حول (الإدارة التقليديَّة والعقول الشَّائهة!!)، حتَّى أصبح جوهر المقال وفحواه، لا يبارح مكانه من الحقيقة الدَّامغة، والبرهان الواقع، والشَّاهد الحاضر، مع تغيير بالتَّقديم والتَّأخير في عنوان المقال السَّابق، الأمر الذي يحسن في هذه المقام، إعادة ما سبق أنْ قلت به؛ لأنَّ البعض يذكِّرني بشخصيَّة (فاوست) بطل الشاعر الألماني غوتة، بما تحمله هذه الشخصية من صفات قد جمعت ما بين الذاتيَّة والفردانيَّة، ولكنَّني -مع هذا- أستطيعُ إنزال مقتبسٍ قال به برنارد شو، حينما تستولي على البعض تلكما الصِّفتان: «لا قِبل لي بتغيير عقولهم، ولكنَّني قادر على زيادة نصيبهم من المعرفة».
* إنَّ آفة (الذاتيَّة والفردانيَّة)، عادة ما تقترن بدوافع كثيرة، كدوافع الطفولة التي لا ترضى إلَّا بضم كل شيء، وأيِّ شيء إلى حوزتها علانيَّةً وخِلسةً، دون أنْ تشعر بغرابة ما تفعله أو تود فعله، وهذه الدوافع -في الغالب- تُعدُّ من أعراض ما يُسمَّى بالكلبتومانيا.
* هناك فرق ما بين العمل الإداري القائم على الدِّعة، والجمود، والخمول، والنمطيَّة، والأساليب التقليديَّة، والعمل الإداري القائم على الإبداع، والخلق، والتَّجديد، والابتكار، فالأوَّل يقوم على الروتينيَّة، والرَّتابة، والسلطة، والاستحواذ في اتِّخاذ القرارات، في حين ينطلق الثاني من وعي إداري وثقافة مُحوْكمة، مبنية على رؤية واضحة، وأهداف مرسومة، ومهام تتجلَّى فيها المسؤوليَّة، وتتَّضح من خلالها التبعات، يقوم عليها (قائد) يعضِّد منها، ويسعى إلى خلق حِراكٍ نوعيٍّ لمنظومته.
* في عالم الإدارة، هناك نمط لا يتحرَّك إلَّا وفق رؤيته التقليديَّة في كل شؤونه الإداريَّة، ومهامه الوظيفيَّة، وما ينتج عنها من مسؤوليَّات وتبعات، يقابله في السِّياق ذاته نمط آخر (ماثل) في بعض جهاتنا الحكوميَّة، لا نيَّة له في التغيُّر والتَّغيير. إنَّ هؤلاء ومَن لفَّ لفَّهم لم يهتدوا، ولن يهتدوا في ظل تقليديتهم الشَّائهة، ونمطيتهم البالية، إلَّا أنَّ الإدارة الحديثة لم تعدْ تتَّسع لهم ولأمثالهم.
* وثمَّة ضرب آخر من موظِّفين لا نيَّة لهم البتَّة للخروج عن فوضى الأعمال الإداريَّة؛ لأنَّ هذه (الفوضى)، عادة ما تجلب لهم بعض (المنافع)، و(الميزات)، و(الامتيازات)؛ فضلًا عن غياب، أو تغييب بعض جوانب المسؤوليَّات، وما يترتَّب عليها من تبعات، ويسرى على نمطهم صنف من أولئك المتملِّقين، ومَن دَارَ في رحاهم، ونَحَا نَحوَهم، فهم يُسيئون -أشدَّ الإساءة- إلى مَن يتملَّقونهم، من حيث يظنُّون أنَّهم يثنون عليهم.
* فإذا كانت الرؤية 2030 قد نادت بـ(الحوكمة) في كل ما يرتبط بالشأن الإداري، فلأنَّ الحوكمة في أقلِّ درجاتها المفاهيميَّة (أسلوب إدارة)، تهدف في جوهرها إلى تحقيق أعلى معايير الجودة، بضبط آليَّات العمل واتِّساقه، وفق منظومة مؤسَّسة لكافَّة الممارسات الإداريَّة من أعلى الهرم الإداري إلى أدناه، والعكس صحيح تمامًا.