كلِمةُ «أوْغَادٍ» جَمعُ «وَغْدٍ»، وتُشيرُ إِلى صِفاتٍ ذمِيمَةٍ دنِيئَةٍ خسِيسَةٍ، يتَّصِفُ بِهَا كثيرٌ مِن الَّذينَ يستَخدِمُونَ وسائِلَ أخلاقِيَّةً وضِيعَةً، مِنهَا التَّمَلُّقُ والكذِبُ والخِدَاعُ والابتِزَازُ والأنانِيَّةُ المُفرِطَةُ، في سَبِيلِ تَحصِيلِ مَكاسِبَ شَخصيَّةٍ دُونَ مُراعاةِ مصَالِحِ الآخَرينَ، وهُمْ في الوقْتِ ذاتِهِ، يُبدُونَ قُدرَةً نَفسيَّةً كبيرةً على التَّعايُشِ معَ أنفُسِهِم بارتِياحٍ وانسِجامٍ، والتَّصالُحِ معَ ذواتِهِم بالرُّغمِ مِن سُوءِ أفعَالِهِم.
يَبدو أنَّه مِن المُجْدِي أنْ تُتقِنَ مهارَةَ التَّمَلُّقِ وأَسَاليبَ الوُصُوليَّةِ والتَّسَلُّقِ المُلتَوِيَةِ.. وتحْرِصَ علَى أنْ يكُونَ رأيُكَ مُوافِقًا دومًا لِرأيِ المُدِيرِ والإِدارَةِ، وأنْ «تَسمَعَ الكلَامَ» وتَتجنَّبَ «المُشَاغَبةَ»! وكُلُّهَا مهارَاتٌ تُساعِدُكَ كثِيرًا على الوُصُولِ لِمناصِبَ مُتقدِّمَةٍ وحُظواتٍ مُتميِّزةٍ، أو علَى أقلِّ القَليلِ، تَقِيكَ استِياءَ بَعضِ رُؤَسائِكَ، وتُدخِلُكَ ضِمنَ مَجمُوعَةِ مُوظَّفِيهِم «المرْضِيِّ عنهُمْ»!.
وفي هذَا السِّياقِ، يقُولُ الكاتِبُ (بُول أوستِر): «الأوغَادُ يَسُودُونَ.. أتَعلَمُ لِماذَا؟ لأَنَّهُمْ أشَدُّ نَهَمًا مِنَّا؛ لأنَّهُمْ يَعرِفُونَ ماذَا يُريدُونَ. لأَنَّهُم يُؤمِنونَ بالحَياةِ أكثَرَ مِنَّا». ويَبدُو مِن الواضِحِ لي، أنَّ أكثرَ المُتملِّقِينَ المُتَسلِّقينَ النَّرجِسِيِّينَ ومِنهُمُ الأَوغَادُ، ناجِحونَ إِدارِيًّا واجتِماعِيًّا، ويَصِلُ مُعظَمُهُم لِمراتِبَ إدَارِيَّةٍ مُتقدِّمةٍ. يقُولُ (ابْنُ خَلدُون): «إنَّ الخُضوعَ والتَّملُّقَ مِن أسبَابِ حُصُولِ الجَاهِ المُحصِّلِ لِلسَّعادةِ والكَسْبِ، وإنَّ أكثَرَ أَهلِ الثَّروةِ والسَّعادةِ بِهذا الخُلُقِ».
المِثالِيَّةُ تقُولُ إِنَّ الأشرارَ يُعاقَبُونَ علَى أفْعَالِهِم، لكِنَّ الواقِعيَّةَ تقُولُ إنَّهُم يُفلِتُونَ مِن العِقابِ، ولا يَنالُونَ جَزاءَهُم إلَّا في أفلامِ الكرتُونِ!. وبِهذِهِ المُنَاسبةِ، يَصدُمُنا (دُوستويِفْسكي) بِرأْيهِ في الإِنسانِ حينَ يقُولُ: «إنَّ أيَّ إنسَانٍ يُمكِنُ أنْ يكُونَ وَغْدًا، ولا شَكَّ أنَّنا جمِيعًا أوغَادٌ بِدرَجاتٍ مُتَفاوتَةٍ!».
مِن الضَّرورِيِّ أخذُ الحذَرِ مِنَ الأوْغادِ، وتَجَنُّبُ التَّعامُلِ مَعهُم مِن الأسَاسِ، أو مُجابَهتِهِم والِانحِدارِ إلى مُستَواهُم، إلَّا لِدَفعِ ضرَرِهِمُ المُباشِرِ، وصَدِّ إسَاءَاتهِم، فَقوَانِينُ لُعبَتِهِم غيرِ الشّرِيفةِ مُتغيِّرَةٌ مُتَسفِّلةٌ، لا تَليقُ بِأخلاقِ المُروءَةِ والتَّربِيةِ الكرِيمةِ، وكَما قِيلَ: «الأهَمُّ مِن أنْ تكُونَ طيِّبًا.. أنْ يكُونَ لَكَ أنيَابٌ تظهَرُ في الوَقتِ المُناسِبِ»!.
عُمومًا، يَبدُو أنَّنا لا نَعِيشُ طويلًا حتَّى نَرى بأنفُسِنا الأَوغَادِ يَحصُلُونَ على ما يَستَحِقُّونَ مِن عِقابٍ في هذه الدُّنيَا، لذلكَ لا تَتمَسَّكْ بِفكرَةِ أنَّ الأشرَارَ يجِبْ أنْ يَنالُوا جَزاءَهُم هُنَا وَحَالًا، لكِنْ تَيقَّنْ أنَّ اللهَ يَقضِي بِحِكمَتِهِ ما يَشاءُ.. وارْفِق بنفسِكَ، فالأوغَادُ قَدْ يَنتَصِرُونَ، لكنَّهُم، مَعَ ذلكَ، يَظلُّونَ أوْغادًا!.