بدعوه كريمة من أخي الكبير الأستاذ الدكتور سليمان أحمد موصلي؛ رئيس المجلس الإشرافي لتأسيس «الجمعية الأولى للتوحد بمنطقة مكة المكرمة»، قمت بزيارة الأسبوع الماضي لأقدم مركز لتأهيل أطفال وشباب التوحد، والذي أنشأته الجمعية الفيصلية الخيرية النسوية بجدة كأول مركز متخصص لخدمة المصابين بالتوحد وأسرهم في العالم العربي، والفيصلية من أوائل الجمعيات الخيرية بالمملكة؛ التي عاصرت بدايتها قبل 45 عاماً، وكان ولازال لها دور ريادي في أعمال الخير يصعب حصرها، لكنني اليوم أتطرق لأحد أهم منجزاتها التعليمية الإنسانية، وهو إنشائها أول مركز للتوحد في المملكة، والذي أُنشئ عام 1992م، ويقدم أفضل البرامج التربوية والتأهيلية لدعم وتنمية القدرات الذاتية للمصابين بالتوحد، وتقديم الدعم الأسري المستمر، وفي عام ٢٠٢٢م أعلنت الجمعية الفيصلية الخيرية بجدة عن انفصال مركز التوحد الأول، ككيان وقفي مستقل، وذلك بعد مضي 30 عاماً في خدمة مصابي التوحد تحت مظلة الجمعية، وتم تشكيل المجلس الإشرافي، والذي ضم في ذلك الوقت السيدة أميمة محمد على مغربي - رحمها الله-، والدكتور سليمان بن أحمد موصلي، والأستاذة خيرية محمد نور رحيمي، للإشراف على الانفصال واختيار الكيان المناسب لإدارة الوقف الخيري، وبالتعاون مع سعادة المستشار عدلي بن على حماد.
وتم اختيار تأسيس جمعية أهلية متخصصة تخدم المصابين بالتوحد وأسرهم؛ كعمل مؤسسي أكثر احترافية في أنشطتها وطبيعة عملها، ومن الجدير بالذكر أن الأرض والمباني الذي شيد عليه المشروع، قُدِّم بدعم الأمير عبدالعزيز بن فهد عام ٢٠٠٦م، وتلا ذلك أعمال التشييد والبناء بدعم سخي من شركة سابك عام ٢٠١٨م، حيث أشرف مكتب المهندس محمد حامد الهرساني، ومكتب الدكتور نبيل عباس للاستشارات الهندسية على الإشراف الهندسي، ولا تنسى الجمعية دعم المهندس عبدالعزيز كامل - رحمه الله- في بداية المشروع، حيث قدَّم مقر للمركز في حي السلامة من عام ١٩٩٥- ٢٠٠٦م.
وبعد هذا الإنجاز العظيم لهذا العمل التعليمي الإنساني، أتمنى على وزارة الموارد البشرية بأن تعيد النظر في الدعم الممنوح لمراكز التوحد، حيث تقدم الدولة مشكورة دفع الرسوم الدراسية عن أولياء الأمور ومقدارها ما بين ٣٥ - ٤٠ ألف ريال للطالب سنوياً، في وقت أن التكلفة الحقيقية هي مئة ألف ريال لتقديم الخدمات النوعية ضمن المعايير والممارسات العالمية المعتمدة.
إن نجاح المركز الأول للتوحد بجدة يدفعني لحث رجال الأعمال وورثة الأغنياء إلى المبادرة بدعم تطوير وتوسعة مراكز التوحد بالمملكة، أو تبني إنشاء مراكز جديدة، لاسيما أن بعض الإحصائيات العالمية تشير إلى أن كل 23 شخص يوجد فيهم شخص مصاب بالتوحد، وتعداد المملكة الأخير قدّر عدد السكان السعوديين بنحو 18 مليوناً و800 ألف، مما يعني أن المصابين بالتوحد قد تصل أعدادهم إلى حوالى 800 ألف شخص.
إنها مسؤولية وطنية وإنسانية يؤجر القائمون عليها، وأتمنى من كل الجمعيات الخيرية في المملكة أن يقتدوا بالجمعية الفيصلية الخيرية، وينشئوا شركات خيرية غير ربحية لإنشاء وإدارة مراكز التوحد، وقد يتجاهل بعض رجال الأعمال أهمية هذه المراكز، ولو كان أحد أبنائهم أو أحفادهم مصابا بإعاقة التوحد، لتسارعوا في البحث عن أماكن لأبنائهم في أحد هذه المراكز، وبعض الأثرياء يخجل من مرض أحد أبنائه أو أحفاده، فيُرسلهم بعيداًً عن نظره في أحد المراكز العالمية ذات التكلفة العالية جداً، أو أحد المراكز في بعض الدول العربية المجاورة، والبعض يخفي مرضاه عن عيون الناس، فيحبسه في غرف مغلقة في بيوتهم.