لم يتم حتَّى كتابة هذه السطور، حسم عدد مقاعد مجلس النُّواب الأمريكي، وإنْ كانت الأعداد المعلنة تشير إلى تقدُّم ممثِّلي الحزب الجمهوري على منافسيهم في الحزب الديمقراطيِّ. إلَّا أنَّه من الواضح أنَّ النَّاخب الأمريكي لم يُعِدْ الرَّئيس المُثير للجدل دونالد ترمب إلى البيت الأبيض رئيسًا لأمريكا وحسب، إنَّما يُعدُّ انتخابه قلبًا لموازين القوى السياسيَّة في البلد، وخاصَّةً مجلسَي الكونجرس، معلنًا رفضه لسياسات الحزب الديمقراطيِّ، المتمثِّلة في الليبراليَّة، التي أساء ممثِّلو الحزب معناها، بتحويلها من حريَّة مسؤولة، إلى حريَّة لا حدود لها.
فاز دونالد ترمب على كامالا هاريس بانتخابه رئيسًا قادمًا للولايات المتَّحدة، ابتداءً من يناير المقبل، بفارق كبير لم يترك لأنصارها مجالًا للتشكيك بالنتائج. إلَّا أنَّهم لم يفيقوا من الصدمة حتَّى الآن، ونشاهد الإعلاميِّين الأمريكيِّين والليبراليِّين يبحثون من على شاشات التلفزيونات، وصفحات الصحف عن مبررات ساذجة لما حدث لكامالا هاريس، واتجاه الناخب الأمريكي إلى اليمين. وواضح أنَّ النصر الذي تحقق لترمب سوف يمكنه إنْ أراد، وهذا أمر غير محتمل، أنْ يسيطر على التَّشريعات التي تمر عبر مجلسَي الكونجرس، ويصبح (الديكتاتور) الذي اتَّهمه الديمقراطيُّونَ مرارًا وتكرارًا أنَّه سيكون متى أُعيد إلى الرئاسة.
أسقط الحزب الديمقراطيُّ نفسَه ومرشحتَه للرِّئاسة لأسباب عدَّة، وأخطاء مكرَّرة، حيث تولُّوا توجيه دفَّة الحُكم الأمريكيَّة منذ ما بعد الحرب العالميَّة الثَّانية، واستخدموا القوة الاقتصاديَّة والعسكريَّة الضَّخمة لدفع النَّاس داخل وخارج أمريكا نحو الليبراليَّة؛ متحرِّرة من كل الشرائع والتَّقاليد، وتفكيك الأُسرة، وتحويل الرِّجال إلى نساء، والنِّساء إلى رجال، وغير ذلك من الأفكار التي يريدون بها إدخال العالم في (عقائد) جديدة، بعيدًا عن الدِّين والقِيم الأخلاقيَّة.
دخل العالم الآن، وليس أمريكا فحسب، في مرحلة جديدة ستحددها النخب الأمريكية الجديدة برئاسة ترمب، يتم بها إعادة تقييم العديد من الأمور. أبرزها الهجرة غير الشرعية، التي ستتأثر أيضًا في أوروبا بناءً على مدى نجاح أو فشل السياسات الجديدة في واشنطن بهذا الشأن. وسوف يتم إلغاء أو تعديل التشريعات والقرارات التي بموجبها يتم تسميم أفكار الأطفال بأنَّ لهم الحق في تحديد جنسهم، وعدم القبول بما يقوله لهم أولياء أمورهم من أنَّهم ذكورٌ أو إناثٌ؛ لأنَّهم يستطيعون أنْ يكونوا ما شاؤوا لا كما خُلِقوا. ومن المؤكَّد أنْ نشاهد حربًا اقتصاديَّة مع الصين، وكذلك أوروبا، إذ إنَّ القادم الجديد إلى البيت الأبيض تعهَّد برفع الحواجز الجمركيَّة على كلِّ ما تستورده أمريكا بما لا يقلُّ عن عشرة بالمئة، وإلى ما يزيد عن مئة بالمئة.
وهناك العديد من القضايا الخارجيَّة التي تنتظر فريقه الرئاسي، مثل تمويل الناتو، ومواجهة الصِّين وجزرها الاصطناعيَّة، وموقفها من تايوان، والحرب في وعلى أوكرانيا، والتي من المتوقَّع أنْ تكون وصلت إلى خواتيمها في ظلِّ إدارة الحزب الديمقراطيِّ.
ما يهمنا في منطقة الشرق الأوسط، حيث نعيش، هو كيفية الحصول على استقرار في منطقتنا بحل لقضية فلسطينَ ينهي معاناة الشعب الفلسطيني، ووقف التوحش العسكري الإسرائيلي. وكذلك إطفاء، أو تخفيف حدة النيران في عدد من المواقع مثل: اليمن، وسوريا، والسودان، وليبيا، وغيرها، حيث للإدارة الأمريكية دور هام في أحداثها، وخطط مستقبلها حتى يمكن لنا تحقيق الاستقرار المنشود في أوطاننا.
إدارة ترمب المقبلة أمامها -إذا أحسنت استغلال الفرصة- إعادة صياغة نظام عالمي جديد واقعي، يختلف عن الليبراليَّة الحاليَّة، بالتَّعاون مع نُخب تسعَى لفعل ذلك. فهل تتمكَّن؟.