بيّنتُ في الحلقتيْن السابقتيْن عبر استعراض نصوص قرآنية، أن الإسلام لم يكن قط دينًا دمويًا، ومن المعلوم أنّ هناك كثافة إسلامية في جنوب شرق آسيا والفلبِّين وإندونيسيا، وهناك عشرات بل مئات الملايين أسلَموا ولم تطأ بلادَهم قدمُ مُجاهد مسلم فاتح، فمَن الذين أجبر هؤلاء على اعتناق الإسلام؟. فمعظم البلاد التي دخلت الإسلام، دخلته بدون قتال وفي مقدمتها يثرب (المدينة المنورة)، وقد فرض على المسلمين وجوب الجهاد بعد مرور خمسة عشر عامًا على الدعوة إلى الإسلام لدفع الأذى عن المسلمين، فالدعوة قائمة على الحكمة والموعظة الحسنة.
ومن أسس علاقات المسلمين بغيرهم، المسالمة والأمان، فهو لا يجيز قتل النفس لمجرد أنّها تدين بغيره، ولا يبيح للمسلمين قتال مخالفيهم في الدين لمخالفتهم في عقيدتهم، بل يأمر أتباعه معاملة مخالفيهم بالحسنى، فالإسلام حريص على السلم، يقول تعالى: (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ).
وفي هذه الآية ردٌّ كافِ على المستشرقين، خاصة المستشرقيْن اليهودييْن البريطانييْن مرجليوث، وبرنارد ولويس، فالرسول الكريم لم يحارب كفار قريش ولم يعترض قوافلهم إلّا لأنّهم حاربوه وحاربوا المسلمين وأخرجوهم من ديارهم وأخذوا أموالهم، وكذلك اليهود نقضوا العهود والمواثيق، وتحالفوا مع كفار قريش ضد الرسول الكريم والمسلمين.
ومن نظم الإسلام الدالة على السماحة أثناء الحرب: أنّه يبيح لأفراد وجماعات من الدول المحاربة أن تتصل بالمسلمين وتدخل ديارهم، وتقيم فيها، في حماية قانون يُعرف في التشريع الإسلامي باسم «الأمان»، والإسلام يقرر عصمة المستأمنين، ويوجب على المسلمين حمايتهم ما داموا في ديار الإسلام، بل يذهبون أبعد من ذلك، فتراهم يمنحوهم أنواعًا من الامتيازات، ويعفيهم من بعض ما ينفذه على المسلمين من أحكام، والهدف من هذا هو الأمان الذي شرعه الإسلام، بل نجد الإسلام قد أعطى للفرد ذكرًا أو أنثى حق الإجارة لفرد أو جماعة من الناس، وأمانه وعهده محترمان، لقوله عليه الصلاة والسلام: «ذمة المسلمين واحدة يسعى بها أدناهم» وقوله: «قد أجرنا من أجرت يا أم هانئ».
ومن أسس علاقة المسلمين بغيرهم؛ عقد العهود والمواثيق واحترامها، وذلك لفض المنازعات بالطرق السلمية، ولقد أحاط الإسلام المعاهدات بكل صنوف الاحترام، وهيأ لها كثيرًا من الضمانات، فقد أوجب القرآن على المسلمين الوفاء بعهودهم في كثير من الآيات: (وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْؤولًا)، وذكر جل شأنه أنّ من صفات المؤمنين، الحفاظ على وعودهم: (وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ).
وقد وصف الله جل شأنه الذين لا يلتزمون بالعهد أنّهم من شر الدواب، يقول تعالى: (إنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِندَ اللّهِ الَّذِينَ كَفَرُواْ فَهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ، الَّذِينَ عَاهَدتَّ مِنْهُمْ ثُمَّ يَنقُضُونَ عَهْدَهُمْ فِي كُلِّ مَرَّةٍ وَهُمْ لَا يَتَّقُونَ).
وعودة إلى الإصحاح العشرين من سفر التثنية نجده ينص على عدم احترام اليهود للصلح مع أعدائهم إن عقدوا صلحاً معهم، ويدعوهم استعباد عدوهم واستباحة أرضه «حين تقرب من مدينة لكي تحاربها استدعها للصلح، فإن أجابتك إلى الصلح، وفتحت لك فكل الشعب الموجود فيها يكون لك للتسخير، ويستعبد لك»، فشتان بين الشريعة الإسلامية والشريعة اليهودية المحرفة.
والسؤال الذي يطرح نفسه بعد هذا العرض: أين بحر الطين الذي يتحدث عنه بحيري؟، وأين الدموية في الإسلام؟، فالدموية أساس الحرب عند اليهود؛ فالفكرة عندهم أساسية تعبر عن علاقتهم بغيرهم من الأمم، فهم يعتقدون أنّهم أرقي الشعوب، وانّ غيرهم على سائر الأجناس منحة ربانية، أعطاهم الرب إياها.
ومن ثم فإنّ حروبهم تدميرية لم يحظرها دينهم المُحرّف عليهم، بل أباحها ومجَّدها، ولم يضع القيود عليها، فإذا حاربوا استباحوا أعداءهم، فقتلوا الرجال واستعبدوا النساء والأطفال وأحرقوا البيوت، فالتدمير في حد ذاته من غايات الحرب عندهم، فهم يحولون المدن العامرة إلى أطلال خربة، ولا يريدون لها أن تقوم بعد ذلك، وهذا ما فعلته وتفعله إسرائيل في حربها على غزة والضفة الغربية ولبنان الآن.
وإذا عقد اليهود الصلح مع أعدائهم، فهم يستعبدون عدوهم بهذا الصلح ويستبيحون أرضه، فقد جاء في سفر التثنية الإصحاح العشرون: «حين تقرب من مدينة لكي تحاربها استدعها للصلح، فإن إجابتك إلى الصلح، وفتحت لك، فكل الشعب الموجود فيها يكون لك للتسخير ويستعبد لك، وإن لم تسالمك بل عملت معك حربًا فحاصرها، وإذا دفعها الرب إلهك إلى يدك فاضرب جميع ذكورها بحد السيف، أما النساء والأطفال والبهائم وكل ما في المدينة، كل غنيمة تغنمها لنفسك، وتأكل غنيمة أعدائك التي أعطاك الرب إلهك».. وجاء في الكتاب الخامس من الزبور: «إذا أدخلك ربك في أرض لتملكها، وقد تملك أممًا كثيرة من قبلك؛ فقاتلهم حتى تفنيهم عن آخرهم، ولا تعطهم عهدًا ولا تأخذك عليهم شفقة أبدًا».
هذه النصوص المحرفة من التوراة تفسر لنا عدم التزام اليهود بالأعراف الدولية ولا بالقانون الدولي والحروب، فهم مؤمنون بهذه النصوص المحرفة، ويُطبقون هذا الفهم والتفسير على معاملاتهم، ويودون أن يفرضوا هذا التطبيق على شعوب العالم.
الرد على مزاعم «إسلام بحيري» في برنامجه «إسلام حر» (3)
تاريخ النشر: 14 نوفمبر 2024 00:43 KSA
A A