قبل أيَّام، تلقَّيْتُ مكالمةً هاتفيَّةً من رقم دولي خارجي، ظَهَرَ لي في شاشة جوَّالي أنَّه من ولاية ويسكونسن الأمريكيَّة.
وفي البداية، ظننْتُ المكالمة من أحد الإخوة المصريِّين الذين يعملون في مجال تقديم توصيات الأسهم، ممَّن يتَّصلون من مصر بالإنترنت من خلال أرقام سعوديَّة أو بريطانيَّة أو أمريكيَّة، بغرض إقناعي بالاشتراك معهم مقابل مبلغ شهري، غير عارفين بأنَّني اعتزلتُ التداول؛ بسبب خسائري في بورصتنا العزيزة!.
ومع ذلك أجبْتُ على المكالمة؛ طلبًا للتسلية، فإذا بشخص يتكلَّم الإنجليزيَّة بطلاقة، ويعرف اسمي الأوَّل (Talal)، ويُعرِّفني بأنَّه البروفيسور بنيامين فرانك (ربَّما هو قريب لبنيامين نتنياهو) من جامعة ويسكونسون، وأنَّه مسؤول عن قبول الطُلَّاب من خارج أمريكا، وقد رأى بريدي الإلكتروني الذي أرسلْتُه أنا للجامعة قبل أسابيع بطلب الدراسة الخاصَّة، وهو يحدِّثني الآن لإتمام عمليَّة القبول!.
وبالطَّبع لا أعرف الجامعة، ولم أراسلها طيلة حياتي، سواءً بالبريد الإلكتروني، أو بالحمام الزَّاجل، فضلًا عن كوني متقاعدًا من العمل والدِّراسة، كما استشْرفْتُ من لهجته أنَّه هندي يُجيد الإنجليزيَّة، وليس أمريكيًّا، وأنَّه نصَّاب محترف، فمثَّلْتُ عليه بأنَّني أصدِّقه، وعاتبْتُه على تأخُّر الجامعة في الردِّ على طلبي، فاعتذر وبرَّر التأخُّر بأنَّ الجامعة تتحرَّى عن الطُلَّاب الذين يرغبون في الدراسة فيها، وأنَّها حالما تأكَّدت من نظافة سجلِّي كلَّفته بالاتِّصال بي لإتمام القبول!.
طيِّب يا خواجة بنيامين، ماذا أفعل لإتمام قبولي في جامعتكم؟ هذا ما سألتُه إيَّاه ببساطة، وأنا أقهقه من داخلي، فزوَّدني بعنوان موقع الجامعة الذي هو موقع مُزيَّف، لتدوين بياناتي الرسميَّة ثمّ دفْع تكلفة الدِّراسة بواسطة البطاقة الائتمانيَّة لسنة واحدة، مقابل تخفيض كبير تمنحه الجامعة، وإشعاري بالموافقة الفوريَّة، مع توفير التأشيرات والسكن وخلافه، وبالطَّبع إذا دخلْتُ موقعه المُزيَّف وزوَّدتُه بمعلومات بطاقتي الائتمانيَّة فهذا يكفي للنَّصب المُؤكَّد عليَّ، ويا أمان الغافلين!.
وبالأصالة عن نفسي، وبالنِّيابة عن المنصوب عليهم، أطلقْتُ سراح لساني بشتْمِهِ، ولأنَّه زَعَمَ أنَّه أمريكي فقد شتَمْتُه بالشتيمة المشهورة عن الأمريكيِّين، ليفاجئني بعدم إقفال السمَّاعة، بل ردَّ عليَّ الشتيمة بأفظع منها، ثمَّ قال إنَّه سيُقاضينِي في المحاكم الأمريكيَّة؛ لأنَّني عربيٌّ وعنصريٌّ!.
وهكذا صار النصَّابون، لا يستحُون ولا يخجلُون، ويفاجئوننا كلَّ يوم بوسائل نصْب جديدة، يعجز عن الإتيان بها حتَّى إبليس نفسه، بلا أخلاق، ولا ضمير!.