* كثيرًا ما يحتاج العمل التحريري إلى مساحة عريضة من الحكمة، والصَّبر، والحلم، والمداراة، والتؤدَّة؛ ولكن ليس على كل حال، وفي أيِّ حال؛ فالوقت يزحف، والعمل -في أحايين كثيرة- يزداد، ويتضخَّم حتَّى تكاد أنْ تفقد ما بقي من أعصابك.
* على مدار العام تقريبًا؛ كان يوم الثلاثاء من كلِّ أسبوع، مع ما يسبقه من عناء وتعب، ومجاهدة متواصلة لعدَّة أيَّام من العمل الجاد، والاشتغال المستمر- تفكيرًا، وتبويبًا، وتحريرًا، وصياغةً، وتنفيذًا، وإخراجًا- يصحبها حزمة من الضغوطات، ما بين مادَّة صحفيَّة ناقصة، أو مادة تحريريَّة تستوجب صورةً أو عدَّة صور، وبين محرر يأتيك بمادَّته في آخر ساعة من نهار ذلك اليوم.
* مجموعة متميِّزة ترافقني من المحرِّرين، كل واحد منهم قد عرف تمامًا ما يجب القيام به، ففي كل يوم جمعة، وتحديدًا عند الساعة الثانية والنصف ظهرًا، وبعيدًا عن بيروقراطيَّة الاجتماعات المعهودة؛ يستديرون على طاولة مكتبي في جريدة «المدينة».
* ورقة صغيرة بحجم الكف، أضعها على طاولة المكتب، هي مفتاح العدد المقبل، إنَّها تجمل كامل العدد من أوِّله إلى آخره، ما بين قضيَّة، وحوار، ومقالات، وآراء، وردود، وزوايا ثابتة؛ فضلًا عن مجموعة من الصَّفحات الأُخْرى التي تتشكَّل وفق ما يستجدُّ من أحداث وقضايا.
* نصف ساعة أو أقل، وينفضُّ اجتماعُنَا، ثم تدور العجلة، فهذا يكتب محاوره، وذاك يتواصل مع بعض الكُتَّاب والمفكِّرين، وذاك يلحُّ في الإسراع في إرسال مشاركة، وذاك يقدِّم لي ما أُعدُّه للنشر؛ لألقي عليه نظرةً أخيرةً قبل إرساله للتَّصحيح، ثمَّ الإخراج، والتَّنفيذ.
* كان المحرِّرون والمحرِّرات مهرةً بحق؛ مهرةً في التقاط الفكرة، ومهرةً في استكتاب المعنيِّين بها، ومهرةً في صياغتها وبنائها وتشكيلها، لقد كانُوا جميعًا محلَّ فخري واعتزازي، كما هم محلُّ حفاوة وتقدير من الجميع.
* في صباح الجمعة من كل أسبوع، وهو اليوم الموعود لصدور العدد، أصحو على كمٍّ هائلٍ من المكالمات والرسائل المعروفة والمجهولة؛ فذاك يشكر، وذاك يذم، وذاك يستنكر، وذاك يعاتب، إنَّها بحق سلسلة من المؤثِّرات التي أصحبت سلوكًا يوميًّا، تزداد حدَّتُها صبيحة كل يوم جمعة.
* بادئ الأمر، كانت تؤذيني وتؤلمني، ثم استقوَى عودي مع الأيَّام حتَّى اعتدتُ عليها، وتوطَّنتُ على ما يصلني؛ من (مذمَّاتٍ)، وعباراتٍ سيئةِ القول، قبيحةِ الكلمة، بذيئةِ العبارة، خاصَّةً فيما أكتبُه، أو فيما يُنشر في ثنايا العدد!!