المتابع لنشاط البروفيسورة سامية العمودي، استشاريَّة النِّساء والتَّوليد، الكاتبة والنَّاشطة في مجال التَّمكين الصحيِّ والحقوق الصحيَّة؛ يدرك حجم المجهود الكبير المبذول، سواء بخصوص الأنظمة والقوانين التي تُمكِّن المرأة من اتِّخاذ قرار بشأن صحَّتها، خلال الولادة أو الجراحة، أو كل ما يتعلَّق بحياتها وحقوقها الصحيَّة حسب أنظمة وزارة الصحَّة، وحسب الشريعة الإسلاميَّة التي منحت المرء البالغ العاقل حريَّة التصرُّف في شؤون حياته، كيف إذًا بالصحَّة المتَّصلة اتِّصالًا وثيقًا بحياة الإنسان، حاضره ومستقبله؟!.
تكرَّمت مشكورةً بإهدائي كتاب «مبادرة التَّمكين الصحِّي.. والحقوق الصحيَّة في المملكة العربيَّة السعوديَّة»، إعداد نُخبة من أساتذة الجامعات والمتخصِّصين، إشراف وتحرير أ. د. سامية العمودي.
تستند الموضوعات التي يضمُّها الكتاب إلى (توجيهات خادم الحرمين الشَّريفين الملك سلمان، بتمكين المرأة، ودعم حقوق الإنسان، من خلال وضع خطَّة شاملة للتَّوعية بحقوق المرأة، كما تستند على مقولة وليِّ العهد الأمير محمد بن سلمان: «أنَا أدعمُ السعوديَّةَ، ونصفُ السعوديَّةِ مِن النِّساءِ، لذَا أنَا أدعمُ النِّساءَ»).
تقولُ: «بداية الحكاية من خلال عملي كطبيبة نساء وتوليد، ومن خلال الممارسات اليوميَّة بعد التخرُّج عام 1981م، وحالات رفض الزَّوج الموافقة على عمليَّات الولادة القيصريَّة، أو صعوبة الوصول إليه.. ويتم التَّوقيع من قِبل الزَّوج دونَ الرجوع للزَّوجة»!.
كانت تتساءل: لماذا نطلبُ موافقةَ الزَّوج، أو الأب، أو وليِّ الأمر في شأن يخصُّ صحَّة المرأة؟ والتدخُّلات الجراحيَّة مثل الولادة القيصريَّة، أو استئصال الثَّدي أو غيرها؟.
«لم تكن الأمور مقتصرةً على الولادات القيصريَّة، بل يتعدَّاه إلى تدابير أُخْرَى، مثلًا في إحدَى الولادات طلب منها الزَّوج إجراء عمليَّة تعقيم للزَّوجة، وربط قناتَي فالوب، خلال عمل الولادة القيصريَّة؛ لأنَّه لا يرغبُ في المزيد من الأطفال..! شرحتُ له أنَّ هذا أمر له أنظمة وأحكام فقهيَّة، ولابُدَّ أنْ يكون هناك سببٌ طبيٌّ قويٌّ، والأهمُّ موافقة المرأة، فغضب غضبًا شديدًا؛ لأنَّه وليُّ الأمر، وهذا حقُّه، وقراره وحده.
أتوقَّفُ عند هذه العقليَّة الذكوريَّة التي كانت سائدةً، ليست ذكوريَّةً فقطْ، بل كثيرات مِن النِّساء استقرَّ في وعيهنَّ هذا الأمر، بأنَّ الزَّوج يملكُ المرأةَ، ولديه ملكيَّة سارية المفعول على جسدها وحياتها وصحَّتها؛لأنَّ بعض الأُسر تنتظر في المستشفى موافقة الزَّوج على التَّوقيع على إجراء جراحي يحتاج تدخُّلًا سريعًا، لا ينتظر رضا الزَّوج أو رفضه.
مَن له الحقُّ في إصابة المرأة بعاهةٍ مستديمةٍ بمنعها من الحمل، واتِّخاذ قرار دون اتِّفاق ودون إذنها؟.
مَن يضمن مثل هذا الزَّوج المتسلِّط، ألَّا يتسلَّط عليها ويطلِّقها مثلًا، ويأخذ صغارها؟، ألَا يحقُّ لهَا الزَّواج والإنجاب؟.
تقولُ: «بدأتُ البحث وقتها، وكتبتُ عن هذه التساؤلات والأنظمة، فُوجئت بأنَّ أنظمة وزارة الصحَّة المبنيِّة على قرار هيئة كبار العلماء، رقم «119»، تاريخ 26/ 5/ 1404هـ، 28/ 2/ 1998م، كفلت الحقَّ للمرأة في التَّوقيع، طالمَا أنَّها عاقلة وبالغة، لكنَّ هذه المعلومة لم تكنْ معروفةً للممارسِينَ الصحيِّينَ ولا للسيِّدات أنفسهنَّ».
لذلك أتمنى أن يُدرس هذا الكتاب، بما يضمه من أنظمة وقوانين ومفاهيم صحية؛ في الجامعات -على الأقل- للطلبة والطالبات؛ لأن القضية تتعلق بصحة الإنسان. ليست النساء هن المعنيات فقط، بل الجميع، حتى لا يتعسف طرف ويرضخ الطرف الآخر، فتحدث الكارثة.
تشير العمودي إلى غياب مصطلح «التَّمكين الصحِّي، والحقوق الصحيَّة» في مناهجنا الدِّراسيَّة خلال الحقبة الماضية، كذلك عدم إلمام بعض مقدِّمي الرعاية الصحيَّة، وعموم المجتمع، والمرأة بشكلٍ خاص بالحقوق الصحيَّة.
كذلك هناك ضعفٌ في الاطِّلاع على أنظمة الوزارة فيما يختصُّ ببعض الأمور الطبيَّة، مثل اشتراطات التَّنويم، والخروج من المستشفى، وحق المرأة في التَّوقيع دون الحاجة إلى موافقة ولي الأمر.
للأسف انعدام الوعي، وعدم الإلمام بالأنظمة والقوانين، يمكن أنْ يُحْدِث كوارث.
الكتابُ يستحقُّ القراءة، وأنْ يُعمَّم كمنهجٍ دراسيٍّ في الجامعات؛ لإثارة الوعي بالحقوق الصحيَّة؛ لأنَّ الكتاب يتضمَّن شرحًا للحقوق الصحيَّة للمرأة، وكبار السِّنِّ، وذوي الاحتياجات الخاصَّة، ومرضى السَّرطان.