يُعتبر الفيلسوف والمفكِّر الجزائري «مالك نبي»، المولود عام 1902م في قسنطينة، أحد أعلام الفكر الإسلامي في القرن العشرين، بل ويمكن اعتباره امتدادًا لواضع أُسس علم الاجتماع والفلسفة، وأحد أبرز علماء القرون الوسطى التونسي «عبدالرحمن ابن خلدون».
فهو من أوائل المعاصرين، الذين نبَّهوا إلى ضرورة العناية بمشكلات الحضارة الإنسانيَّة، سواء من حيث الموضوعات التي طرحها، أو من حيث المناهج التي اعتمدها في ذلك.
في كتابه بعنوان «أُسس الحضارة»، وضع نظريَّته في التَّغيير الاجتماعي، والتي قسَّم فيها أيَّ حضارة إلى ثلاثة عناصر أساسيَّة، هي: الإنسان، والتربة (المكان)، والوقت، والتي عرفها باسم معادلة الحضارة الإنسانيَّة، ووضعها بالصِّيغة الرِّياضيَّة التَّالية: الحضارة الإنسانيَّة= الإنسان + التربة + الوقت.
ويرى المفكِّر «مالك بن نبي»، أنَّ عصر النهضة في أيِّ مجتمع، يتطلَّب توليفة بين هذه العناصر الأساسيَّة الثلاثة؛ وحول ما أطلق عليه «الإنسان النِّصف»، يقول الفيلسوف الجزائري «مالك بن نبي» في كتابه «أُسس الحضارة»:
إنَّ إفساد نهضة الدُّول سببه الرئيس، إنتاج «إنسان النِّصف»؛ وعن معنى «إنسان النِّصف»، يقول: إنَّ «إنسان النِّصف» هو ذلك الإنسان الشَّديد الإلحاح في طلب حقوقه، ولكنَّه في المقابل لا يقوم بالحدِّ الأدنى من واجباته، أو من ثقافة المُتاح المتوفِّرة بين يديه!
فيذهب الطالب لمدرسته ليمضي الساعات الطوال، فقط دون تركيز، وهمه الأكبر هو الحصول على تلخيص للمادة من أستاذه، أو المادة المطلوبة لأداء الامتحان، دون أن يكون هدفه الحقيقي هو العلم والتعليم، ويذهب كذلك العامل للعمل، ويقضي الساعات، ولكن همه الوحيد إنهاء ساعات العمل المقررة بأي طريقة، ويعود بعدها لحياته الطبيعية، انتظاراً للحصول على الراتب الشهري فقط.
فالإنسانُ النِّصفُ، لا يدرسُ كطالبٍ مجدٍّ ومجتهدٍ، ولا يعملُ كموظفٍ مُنتجٍ ومُخلصٍ في عمله، وتراه لا يبدعُ في معملٍ، ولا يبتكرُ في متجرٍ، ولا ينجزُ في مشروعٍ، هو باستمرار «إنسانُ النِّصف» يطالبُ بحقوقِهِ ولا يقومُ بواجباتِهِ.