كثير من قادة دول العالم يصفون دونالد ترامب، الرئيس الأمريكي القادم، بصفة (صديقي)، وهو الوصف الذي أطلقه عليه الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، الذي عبر عن تفاؤله بتحسين العلاقات التركية الأمريكية في عهد ترامب بالقول: «نتوقع أن يقوم صديقنا ترامب بالتخلي عن السياسات الخاطئة لإدارة بايدن في رئاسته الثانية»، وخلال استفتاء جرى في عدد من دول العالم، خلال حملة الانتخابات الأمريكية، عبر عدد أكبر من الناس عن ترحيبهم بعودة ترامب رئيساً؛ أكثر من انتخاب هاريس، وذلك في آسيا وإفريقيا وأمريكا اللاتينية والشرق الأوسط، بعكس الأوروبيين.
هناك أسباب عديدة لترحيب عدد من قادة دول العالم وشعوبها بالعودة المثيرة للرئيس دونالد ترامب إلى البيت الأبيض. ومن أتيح له النظر إلى قائمة المستثمرين والمستأجرين في برج ترامب بنيويورك؛ سيجد مبنى يقرب شاغلوه من أن يكونوا جزءاً من شاغري مبنى هيئة الأمم المتحدة غير البعيد عن برج ترامب. هناك الإيراني والصيني والعربي والهندي والروسي والإندونيسي وغيرهم؛ اشتروا بمبالغ كبيرة سكناً لهم، أو مكاتب، في هذا العنوان الجادة الخامسة (Fifth Avenue) من نيويورك (اشترى بليونير روسي بنتهاوس بمبلغ 95 مليون دولار).
ما يهم الآن أن دونالد ترامب ليس من البيئة السياسية التي حكمت أمريكا طويلاً، وسلطت قوتها الاقتصادية والعسكرية في نشر نفوذها تحت سقف مسميات حقوق الإنسان والديمقراطية وحكم القانون في نفس الوقت الذي أيدوا فيه محاولات الإبادة الجماعية للفلسطينيين (والآن للبنانيين)، ولا يوقفوا المجازر بالرغم من صدور أوامر إلقاء القبض، التي أيدها عدد من قادة الدول أصدقاء أمريكا، على قادة إسرائيليين بتهم جرائم الحرب، مؤخراً. إذ لا يستوى المناداة بالعدالة بينما يتم ظلم الإنسان.
بالطبع، فإن دونالد ترامب جزء من الآلة الضخمة الأمريكية التي تمكنت من القضاء، خلال الحرب العالمية الثانية، على جيوش كل من اليابان وألمانيا، ثم خلال الحرب الباردة إسقاط الاتحاد السوفيتي. ولكنه، أي ترامب، قادم من بيئة رجال الأعمال الذين يفرقون بين الربح والخسارة، ولا يندفعون في تأييد الظلم باسم الأساطير. وربما تكون فرصة ترامب الآن تسجيل اسمه كبطل عالمي يقيم السلام في منطقة الشرق الأوسط، التي تعتبر أكثر المناطق حساسية في العالم، وأسهل المشاكل حلاً متى اقتنع الإسرائيلي بأن مستقبله مرتبط ارتباطاً وثيقاً بقيام دولة فلسطينية مستقلة، والتخلي عن أوهام السيطرة على الفلسطينيين والعرب. دونالد ترامب يستطيع عبر استخدام أدوات القوة الأمريكية المتعددة أن يعيد قادة إسرائيل إلى التعقل. وهو قد حاول معهم خلال رئاسته السابقة بتسويق (اتفاقيات إبراهام)، والتي كانت تدعو إلى تطبيع عربي مع إسرائيل مقابل التخلي عن أطماع ضم الضفة الغربية. إلا أن هذا الأمر لم يتم، وواصل القادة الإسرائيليون الحديث عن (سيادتهم) على الأراضي الفلسطينية. وهو ادعاء لم يحقق لهم سلاماً ولا تطبيعاً مع العرب.
المملكة العربية السعودية تقدمت بعده مبادرات سلام (في قمة المغرب العربية والقمة العربية ببيروت). وأخيراً بالدعوة التي أطلقها ولي العهد، رئيس مجلس الوزراء، الأمير محمد بن سلمان لقيام تكتل عالمي لتحقيق مسار الدولتين، أي قيام الدولة الفلسطينية بشكل حاسم. وعلى المجتمع الدولي أن يعي أن الاستقرار لن يتحقق في الشرق الأوسط، ولا في العالم، ما لم يحصل المضطهدون على حقوقهم.