الحضارة والتنمية

هل يوجد تعارض بين الحضارة والتَّنمية، أم أنَّهما يؤدِّيان إلى هدفٍ واحدٍ، ويسيران جنبًا إلى جنبٍ، وينتج منهما منتج متناسق؟!.

أوَّلًا ما نقصده بالحضارة هنا، هو التراث الحالي والمتوارث منذ القدم، في صورة عادات وتقاليد، ومبانٍ تحكي تاريخ الآباء والأجداد، والمفترض أنْ لا تتعارض مع التَّحديث وبناء حضارة جديدة، وإنَّما هي مكمِّلة ومستمرَّة. وفي الوقت نفسه نقصدُ بالتَّنمية استمرار الأنشطة الاقتصاديَّة، واستمرار المؤشِّرات الاقتصاديَّة في التحسُّن. ومع اتِّضاح التَّعريفات نجد أنَّ هناك نقطة التقاء، ونقطة افتراق. فالحضارة القديمة عادةً يجب الحفاظ عليها وحمايتها من التآكل، وفي المقابل يجب أنْ نهتم بالتَّنمية حتَّى تستمر الحضارة السابقة، أو نبني حضارة جديدة متَّسقة مع الأولى.

وبتطبيق ذلك على الأمر الواقع، نجد أنَّ هناك اهتمامًا واضحًا في مختلف مناطق المملكة، وخاصَّة في جدَّة والمدينة، للحفاظ وترميم وإظهار الماضي وحمايته، من خلال برامج الدولة.. ونجد أنَّ توسعة الحرمين والاحتياج لهما بحجم كبير يدعم هذا التوجه، خاصة وأنَّ أعداد الزوار والمسلمين تدفعنا إلى توسعة وعمارة الحرمين، مع ملاحظة الحفاظ على جزء كبير من البناء القديم فيهما مع تجديده وتحديثه بشكل يليق بمكانتهما، مقارنةً بقدرات وإمكانيات الماضي.

والزائر لمختلف مناطق بلادنا، وفي ظل التنمية الاقتصادية والاجتماعية؛ يجد حماية واهتماماً بالتراث والحفاظ عليه، ولعل مشروع الحفاظ على المدينة القديمة في جدة، واحد من أهم المشروعات، ويعتبر هذا المشروع، والذي مرَّ عليه أكثر من خمسين سنة يتماشى مع التوجه الأخير، وهو النقطة الفاصلة التي تم من خلالها الحفاظ على الأحياء القديمة، ونمط البناء فيها.

وتُعتبر السِّياحة التراثيَّة والتاريخيَّة عنوانًا للحفاظ على الحضارة، مع التنمية، وعدم تعارضها.. ونجد أنَّ أفواجَ السيَّاح القادمين إلى مدينة جدَّة، واهتمامَهم بالمدينة القديمة واضحٌ، ونجد أنَّ أحدثَ مشروع تهتم وتزهو به الدولة، هو الحفاظ على الجزء القديم؛ بل والوصول إلى أرشفة وبناء سجل تاريخي للمنازل في هذه المنطقة، يُوضِّح الاهتمام بالجانب التاريخي من قِبَل الدَّولة، ولا يتعارض مع المشروعات الضَّخمة التي تقودها في مدينة جدَّة مع القطاع الأهلي. الأمر الذي يعكس أنَّ الاهتمام بالحضارة لا يتعارض مع بعضها، وأنَّ القديم يمكن أنْ يمتزج مع الجديد، وينتج حضارة جديدة وجميلة.