التطورات الجارية في مواقع متعددة من العالم يمكن أن تحقق للرئيس الأمريكي القادم، دونالد ترامب، الفوز بجائزة نوبل للسلام التي يحلم بها. وهناك مجالان يتيحان للرئيس ترامب الفوز بهذه الجائزة. المجال الأول هو القضية الفلسطينية، حيث يمكن أن يسود السلام والأمن منطقة الشرق الأوسط بتحقيق حل الدولتين لهذه القضية؛ التي يستخدمها البعض سلاحاً إعلامياً سياسياً، في وقت يعيش فيه الملايين من الفلسطينيين تحت احتلال قاس وظالم. ويؤدي إلى انتفاضات فلسطينية تهدد الوجود الإسرائيلي. في حين أن الاعتراف بحق الفلسطينيين وإطلاق مسار صادق لقيام الدولتين، يؤدي إلى سلام للمنطقة بكاملها.
المجال الثاني هو إطلاق مسيرة مشابهة إلى حد ما لما حققه مؤتمر (يالطا)، الذي عُقِدَ عام 1945، وأدى إلى قيام النظام العالمي الحالي (الذي أخذ يتهاوى)، وحقق استقراراً عالمياً، ودفع الأوروبيين للتخلي عن مستعمراتهم في كل من آسيا وإفريقيا وأمريكا اللاتينية.
الوضع القائم الآن في العالم لم يعد مرتبطاً بما جرى ترتيبه في (يالطا). إذ أصبحت منظمة الأمم المتحدة التي حلت محل عصبة الأمم غير فعالة، وكذلك الأمر بعدد من المؤسسات التي تفرعت منها. ولازالت الولايات المتحدة هي المؤهلة لأخذ زمام المبادرة لإحلال نظام عالمي جديد بالتشاور مع الصين؛ وعدد آخر من الدول ذات التأثير العالمي.
عُقِدَ مؤتمر يالطا بين قادة دول (الحلفاء) الرئيسيين في الحرب العالمية الثانية على ساحل البحر الأسود في شبه جزيرة القرم، (كانت جزءا من الاتحاد السوفيتي)، وحضره رئيس الولايات المتحدة، فرانكلين روزفلت، وزعيم الاتحاد السوفيتي، جوزيف ستالين، ورئيس وزراء بريطانيا، ونستون تشرشل. وكان الهدف الرئيسي وضع الترتيبات النهائية لعالم ما بعد الحرب مع قرب هزيمة ألمانيا النازية. وجرى خلال ذلك المؤتمر، الذي استمر حوالى أسبوع، الاتفاق على أن يتم تقسيم ألمانيا إلى أربع مناطق يحتل السوفيت قسماً منها، والفرنسيون قسماً آخر، وكل من بريطانيا والولايات المتحدة قسماً لكل منهما، وكذلك الأمر بالنسبة للنمسا التي قسمت إلى أربعة أجزاء، بما في ذلك عاصمتها فيينا. (وأنهى الحلفاء احتلالهم للنمسا وعاصمتها عام 1955 بتوقيع «معاهدة الدولة النمساوية»، التي تعهدت النمسا فيها بالتزام الحياد بشكل دائم).
شكل مؤتمر يالطا حجر الزاوية في إعادة رسم خريطة العالم بعد الحرب العالمية الثانية. ومطلوب الآن مؤتمر يالطا جديد تشارك فيه الدول المؤثرة في العالم، وتتفق فيه على كيفية إعادة بناء المؤسسات الحالية، مثل الأمم المتحدة ومجلس الأمن وصندوق النقد الدولي ومؤسسات العولمة بمختلف مسمياتها، مثل منظمة التجارة العالمية، والمحاكم الدولية، واليونسكو.
في العدد الأخير من مجلة (فورين أفيرز) الأمريكية، عدد سبتمبر/ أكتوبر 2024، كتبت كوندليزا رايس (مستشارة الأمن القومي من 2001 إلى 2005، ووزيرة الخارجية من 2005 إلى 2009) مقالاً قالت فيه: إن الصين حل محل «الاتحاد السوفيتي» في النظام العالمي الذي حمل مسمى «الحرب الباردة»؛ كخصم للغرب يسعى للتوسع عالمياً، وأن لدى الصين اليوم أكبر قوة بحرية في العالم، وتسعى بنجاح لزيادة عدد أسلحتها النووية. من المرجح أن يكمل الرئيس دونالد ترامب، فترة رئاسته التي تبدأ في يناير القادم لمدة أربع سنوات. ويتصف بالطموح والإقدام، وستكون لديه فرصة خلال هذه الفترة لاقتراح حلول سلمية لطموحات كثيرة من القوى العالمية، خاصة الصين وروسيا، عوضاً عن الدخول في (مشاحنات) قد تؤدي إلى حرب عالمية ثالثة. وأن يدعو، متى أثمرت استشاراته، إلى مؤتمر (يالطا) جديد، في مكان ما، أكان أمريكا أو آسيا، يدعى إليه زعماء العالم لاعتماد النظام العالمي الجديد الذي لا يتوقع أن تكون فيه هيمنة لأي من الدول الكبرى، ويحقق الاستقرار لعشرات السنين القادمة، وإن كان لا يتوقع أن تتوقف حروب (الوكالة) حتى تتمكن مصانع الأسلحة وتجارتها، من مواصلة (نجاحاتها).
ويمكن حينها أن يفوز دونالد ترامب بجائزتين اثنتين.. تحقيقه السلام العالمي الجديد، وحل المعضلة الفلسطينية.