كشفت أرقام الميزانية الجديدة للعام المالي 2025 التي أقرها مجلس الوزراء الموقر في جلسته الأسبوع الماضي عن قوة الاقتصاد السعودي، ومدى المرونة التي يتمتع بها، والطموحات الكبيرة التي تحملها، وسعي القيادة الرشيدة -حفظها الله- لرفعة هذا البلد وتطويره وتحسين معيشة أبنائه.
وبنظرة سريعة للأرقام التي تم إعلانها؛ تتضح الاستمرارية في الاستناد على سياسات مالية متوازنة، ومواصلة الأهداف التي وضعتها رؤية المملكة 2030 وفي مقدمتها تعزيز التنوع الاقتصادي، وضمان الاستدامة المالية بعيداً عن النفط كمصدر دخل أوحد، مع التركيز على تحسين جودة الحياة للمواطنين والمقيمين، والمضي قدماً في تنفيذ المشاريع الاستثنائية التي يجري العمل فيها. واستمرار جهود تمكين القطاع الخاص وتمكينه كركيزة أساسية للنمو الاقتصادي، بسبب قدرته الفائقة على توفير فرص عمل مستدامة.
أبرز ما يلفت النظر في الميزانية؛ إجمالي النفقات المقدرة لعام 2024 بحوالى 1,285 مليار ريال مقابل إيرادات بمقدار 1,230 مليار ريال، وهو ما يعني ببساطة السير في اتجاه تحسين الخدمات العامة، وتحسين البنية التحتية، وتبني الحكومة سياسات الإنفاق التوسعية لدعم المشاريع الكبرى، مع التركيز على كفاءة منظومة الدعم والإعانات الاجتماعية.
مما يثير الإعجاب فعلا ويبعث على الفخر والاعتزاز؛ المواءمة بين المنصرفات والإيرادات، رغم تزايد أوجه الصرف على المشاريع العملاقة وغير المسبوقة التي يجري العمل على تنفيذها بصورة متواصلة، والتي قطعت شوطا كبيرا وشارف بعضها على الانتهاء، وهو ما يدل على سلامة التخطيط وجودة التنفيذ.
كذلك، فإن أول ما يمكن قراءته في تفاصيل الميزانية؛ مرونة الاقتصاد السعودي وقدرته على التكيّف مع التحديات المرتبطة بسوق النفط، فرغم ما تعرضت له هذه السوق من هزات ومتغيرات وتقلبات في الأسعار، إلا أن الإيرادات واصلت نموها بسبب زيادة عائدات الأنشطة غير النفطية، وهو ما يؤكد على صواب سياسة تنويع المداخيل وتقليل الاعتماد على القطاع النفطي الذي أصبح هدفا إستراتيجيا وفق مستهدفات الرؤية، لذلك وضعت الميزانية الحالية في حساباتها عدة سيناريوهات لاستمرار التقلبات في الأسعار؛ استمراراً لسياسة التعاطي مع كافة الظروف المحتملة ومواجهة حالة عدم اليقين العالمية.
وبنظرة متقدمة وتفكير خارج الصندوق، فإن مؤشرات وتفاصيل الميزانية تثبت أن المملكة تسير في طريقها بتعزيز الاستثمار في الإنسان والبنية التحتية، وزيادة الصرف على قطاعات التعليم والصحة، وزيادة المبالغ المرصودة للبحث العلمي والبعثات الخارجية في تخصصات محددة، ودعم القطاعات الواعدة، وتشجيع ريادة الأعمال، والسعي وراء تحقيق نهضة اقتصادية تضمن مستقبلاً أكثر رخاءً؛ واستدامة للأجيال الحالية والمقبلة.
كل تلك المؤشرات الإيجابية تؤكد حرص القيادة الرشيدة على رفاهية المواطن وزيادة تنمية رأس المال البشري والسعي الحثيث لإيجاد كوادر شابة قادرة على تولي مسؤولية الإنجاز والعطاء خلال السنوات المقبلة.
هذه المضامين الراقية أكدها خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز – حفظه الله – حينما قال في مستهل البيان الختامي للميزانية: «إن المواطن السعودي هو المحرك الرئيس للتنمية وأداتها الفعالة، وشباب وشابات هذه البلاد هم عماد الإنجاز والمستقبل». كما شدّد عليها سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان بقوله: «المملكة تسير على نهجٍ واضح، وهدف حكومتها بقيادة وتوجيهات خادم الحرمين الشريفين في المقام الأول هو خدمة المواطنين والمقيمين، والمحافظة على مكتسباتنا التنموية، والاستمرار في أعمالنا الإنسانية بالداخل والخارج، التزاماً بتعاليم ديننا الحنيف، ومواصلة العمل بكل الموارد والطاقات لتحقيق أهدافنا».
في ضوء المعطيات السابقة، ونتيجة للاستمرار في سياسة تنويع مصادر الدخل، وزيادة التعويل على القطاع الخاص، والإصلاحات الهيكلية المرتبطة برؤية السعودية 2030، فإن الاقتصاد السعودي مؤهل لتحقيق المزيد من النجاحات التي ستتضاعف بإذن الله بعد أن تبدأ المشاريع العملاقة التي يجري العمل عليها.
وهذه الإشارات الواضحة تعيد التأكيد على أن أبرز أولويات القيادة الحكيمة يكمن في توفير رعاية كريمة لصحة وعيش الإنسان، ودعم تطوير الخدمات، ومواصلة البرامج التنموية الشاملة لتحقيق الازدهار الاقتصادي، وربط ذلك بصورة مباشرة بزيادة رفاهيته وإتاحة الفرصة الكاملة أمامه للانطلاق في فضاءات الإبداع والتفرد.