بعض الشخصيات -سواء فنانين أو سياسيين أو كُتَّاب- يقعون أحياناً ضحية سقطة كلامية، أو زلة لسانية، انتشر منها الكثير على وسائل التواصل، وآخر سقطة سجلت للفنانة المصرية شيرين، كما أن لها سقطات كثيرة بسبب تلقائيتها ومحاولتها تحويل الموقف إلى طرفة، أو إضحاك الجمهور خلال حفلاتها، إلا أنها لا تسلم في كل مرة.
كذلك فنان العرب محمد عبده لم يسلم من سقطات الكلام وزلة اللسان، والمواقف كثيرة لا أريد سردها وتذكير الناس، ولا أظنها تمحى من الذاكرة طالما أنها لا زالت على منصات التواصل، ومنصة إكس بشكل خاص.
السقطات الكلامية وزلات اللسان ليست بالأمر الحديث، بل في كل زمان حدثت، لكن لم يكن لديهم وسائل تنقل تلك الزلات بالصوت والصورة وردود الأفعال بشكلٍ مباشر وفوري، لذلك ظلت في طيات الكتب إذا تم تسجيلها، لأنها صدرت من أديب مشهور أو سياسي معروف.
في كتابه: «أرجوك لا تفهمني»، سجل الكاتب والصحفي المصري عبدالوهاب مطاوع واقعة حدثت في بداية القرن الماضي، كان ضحيتها الشاعر العراقي، جميل صدقي الزهاوي «1863-1936»، الذي كاد يفقد حياته بسبب زلاقة لسانه وانسياقه وراء فنون البلاغة.
كان الزهاوي عضوا في مجلس «المبعوثان»، الذي يضم ممثلي الولايات التركية عن العراق، وفي جلسة مناقشة ميزانية وزارة الحربية؛ كان بين بنودها مبلغ ضخم خصص لقراءة صحيح البخاري في سفن الأسطول للتبرك به!، فوقف الزهاوي معترضاً، وقال إنه يفهم أن يكون هذا المبلغ في ميزانية وزارة الأوقاف، أما ميزانية الحربية فأمر غير مفهوم.. لأن الأسطول يسير بالبخار لا بالبخاري!.
يقول مطاوع: رغم سلامة رأي الزهاوي، إلا أن الجناس بين البخار والبخاري أعطى الانطباع بأنه يهزأ بصحيح البخاري؛ الذي يروي الحديث الشريف، فثار عليه المجلس، وشغبت عليه العامة، وتعرض بسبب هذا الموقف لغضب الرأي العام في البلاد، حتى لزم داره في بعض الأوقات خوفاً على حياته من الخطر.
وللشاعر إمام العبد مع شاعر النيل حافظ إبراهيم؛ الذي كان يعطف عليه ويواسيه من حينٍ لآخر بماله، موقف تسبَّب فيه سلاطة لسان إمام العبد، فبلغ حافظاً أن إمام يقلل من شأنه كشاعر عظيم ويقول فيما يقول: أنا الذي خلقت حافظ إبراهيم! -أي بمعنى أنه صنع شاعريته وشهرته-، ولم تمض أيام حتى جاء إمام العبد لحافظ إبراهيم وهو في مجلسه في المقهى يطلب منه مالا، فنظر إليه حافظ باسماً ثم قال: «أنا يا مولاي كما خلقتني»، التي أصبحت مثلاً يُضرَب على خلو الجيب من المال أو الفقر.
إذن العدو الأول للإنسان هو «اللسان»، وقديماً قالوا: «لسانك حصانك، إن صنته صانك، وإن هنته هانك»!.
عندما هرب عبدالله بن علي عم المنصور وواليه على الشام بعد خروجه عليه، وهزيمته أمام جيوش المنصور، وهروبه إلى أخويه اللذين رفضا تسليمه إلى المنصور، إلا إذا كتب له بالأمان، فوافق المنصور وترك لهما كتابة ما يريدان، وكان ابن المقفع كاتب أحدهما، فكلفه بكتابة عهد الأمان، فكتبه على أكمل صورة، ولكنه أضاف في نهايته هذه العبارة: إن الخليفة إذا نقض عهده وأخلف وعده؛ فإن نساءه وجواريه يصبحن محرمات عليه، وغلمانه وعبيده يصبحون أحراراً، ويصبح هو خارجاً على الإسلام، وتُستباح أمواله، وتسقط بيعته، ويحق قتله!.
وعندما قرأ المنصور هذا الكلام، استشاط غضباً ورآه خروجاً عن آداب مخاطبة الولاة، وعرف كاتبه وأمر واليه على البصرة أن يؤدبه.
وقع في يد من لا يرحم، فقطع جسده قطعاً تُلقى في النار حتى مات، وانتهى هذه النهاية، رغم ما يتمتع به عبدالله بن المقفع من أدبٍ جم وحكمة شهد له بها معاصروه، إلا أن عبارة طائشة أضافها إلى عهد الأمان الذي كُلِّف بكتابته بين الخليفة المنصور العباسي وعمه عبدالله بن علي، أوصلته الى هذه النهاية البشعة.
الكلمة كالرصاصة، إذا خرجت دون تبصُّر وتدبُّر؛ يمكن أن يكون لها نفس الأثر القاتل، أو نفس الاصابة والجرح الذي لا يندمل.