Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
فاتن محمد حسين

فن الإقناع.. والتواصل الإنساني

A A
‏تُعتبر عمليَّة الإقناع من أهم عمليَّات التَّواصل الإنساني، فهي القدرة على إيصال الأفكار، والرُّؤى، والمشاعر، والاتِّجاهات، والأهداف من طرفٍ لآخرَ، وبالتَّالي تغيير في سلوكيَّاته وقناعاته وتصرُّفاته.. أو ربَّما يكون لمجموعة من النَّاس أو للعامَّة، من خلال إيصال رسائل معيَّنة.. والتواصل الإنساني وُجِد منذ بدء الخليقة، ولعلَّ الكتابة على جدران الكهوف، والرسومات التي وُجِدت عليها، أكبر دلالة على وجود التَّواصل الإنساني منذ القِدم.

‏وأهم ما يميِّز الإقناع الإيجابي، هو ما يمتلكه الفرد من إيمان قوي، ورسالة عظيمة في قيمها ومبادئها، وخُلق عظيم يترجم ‏أهدافه سلوكيًّا في تعامله مع الآخرين، وها هي رسالة «محمد بن عبدالله» -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم- تصل إلى أصقاع الدُّنيا، لتكون رسالة الإسلام الخالدة، يعتنقها حوالى ملياري مسلم.

وهناك الآلاف من المؤثِّرين عبر التاريخ، منهم «نيلسون مانديلا»، ‏المناضل الذي كافح لتغيير نظام الفصل العنصري في جنوب إفريقيا، و «المهاتما غاندي»، الذي التزم المقاومة السلميَّة لتحقيق التغيير الاجتماعي والسياسي في بلده.

وفي وقتنا الحالي، ليس أعظم من مؤثِّر مثل سمو الأمير محمد بن سلمان برُؤية ٢٠٣٠م؛ لإيمانه بعظمة وطنه ومقوِّماته الحضاريَّة، وأهمها المورد البشري وهو الإنسان السعودي؛ فبثُّ هذه الرسالة للوطن وللعالم، لتكون السعوديَّة نواة ازدهار ونمو، تنافس فيه كُبْرى دول العالم.

‏ولعلَّ من أكثر الناس احتياجًا (لفن الإقناع)، هم القادة في المنظَّمات، وقادة الرَّأي، وأرباب الفكر ‏من الكُتَّاب والمؤثِّرين، وكُتَّاب التقارير الصحفيَّة.. وكذلك كُتَّاب التقارير الإداريَّة لإعداد المشروعات والأنظمة، وكذلك الإعلاميِّين، والمسوَّقين للشركات والمنتجات، بل وأرباب العمل مع موظَّفيهم.

‏ومن أهم العوامل المؤثِّرة في عمليَّة الإقناع الكتابيَّة هي: الكفايات اللغويَّة، وقدرة الفرد على استخدام الأساليب القويَّة في الكتابة، والإقناع بوجود الإثباتات والأدلَّة، سواء كانت إحصائيَّات، أو تقارير، أو دراسات تدعم الفكرة الأساسيَّة. وكذلك حسن تنظيم وترتيب الأفكار، واستخدام علامات الترقيم، والتي تُعتبر أساسيَّة جدًّا في فهم المعنى المقصود.. وكذلك معرفة شخصيَّة المتلقِّي، فإذا كان الموضوع مثلًا يتعلَّق بالشَّباب، فما هي الأدوات التي تحقِّق الإقناع لهم، ‏وهي مختلفة تمامًا عن الرسالة المُرسلة عن موضوعات اجتماعيَّة أُخْرى، أو عن موضوع سياسي، أو اقتصادي، أو أدبي، فكل موضوع له أساليبه الخاصَّة في الإقناع. وأمَّا إذا كان الإقناع عن طريق التَّواصل اللفظي، مثل الإقناع التَّسويقي، فهذا يتطلَّب -أيضًا- مهارات تواصليَّة مثل: لغة الجسد، والإشارات، والإيماءات، ونبرة الصَّوت، وملامح الوجه لتحقيق الهدف.

‏كما يلعب الذكاء العاطفيُّ، درجةً كبيرةً في الإقناع، حيث لابُدَّ من فهم مشاعر الآخرين، واتجاهاتهم، وتوقُّع ردود أفعالهم، وكيفية التعامل معها، بل والتَّعاطف معهم، فإذا كنت مثلًا مدير منشأة، وتريد إقناع الموظَّفين بإخلاصهم، وعمل كل ما يمكن للمنشأة، فعليك أوَّلًا أنْ تقدِّم لهم الدَّعم لمواجهة العقبات التي يتعرَّضون لها، سواء في العمل أو خارجه، مثل عدم وجود مواصلات، أو ظروف عائليَّة، أو غيرها، وتقديم أفضل الحلول التي تساعدهم على تخطِّي العقبات ومواجهة المشكلات.

‏وإذا كنت ترغب في أنْ تكون من المؤثِّرين فعلًا، ولديك قدرة كبيرة على الإقناع، فعليك معرفة نفسك أوَّلًا، وما تمتلكه فعلًا من مهارات وقدرات وقيم وأخلاق، فعمليَّة الإقناع هي عمليَّة أخلاقيَّة أوَّلًا وقبل كل شيء، وليس لمشاهير الغفلة في مواقع ‏التواصل الاجتماعي أيُّ علاقة بفن الإقناع، بل إنَّهم مهرِّجون وأراجوزاتٌ، يُسخِطون النَّاس عليهم أكثر ممَّا يقنعونهم؛ رغم متابعتهم لهم!!.

بل إن قدرتك على جعل الطرف الآخر يشعر بقيمته باحترامك له، يحقق لك إيصال رسالتك الإقناعية، وكذلك إيمانك بتحويل العدو إلى صديق، من خلال التحكم في مشاعرك حين يقابلك بعض الجهلاء، فالرسول -عليه الصلاة والسلام- كان يقابل جفاة العرب بالرقة واللين، وقال: «ليس الشديد بالصرعة، إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب».

‏وأمَّا بعض المغالطين في فهم عمليَّة الإقناع من كبار المواطنين، وأنَّهم لن يغيِّروا معتقداتهم مهما سمعوا، واستشهادهم بقولِهِ تعَالَي: (إِنَّ اللهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ)، فإنَّهم يدركون معنى الآية بصورةٍ خاطئةٍ، فالمقصود أنَّ اللهَ لَا يُغيِّرُ مَا بِقومِ مِن النعمةِ والإحسانِ ورغدِ العيشِ؛ حتَّى يُغيِّرُوا مَا بأنفسِهِم؛ بأنْ ينتقلُوا من الإيمان إلى الكفرِ، ومن الطَّاعة إلى المعصيةِ، أو من شكر النعم إلى البَطَرِ فيها.. وهذه ليست المقصودة في عمليَّة الإقناع الإيجابي، وهي التَّغيير للأفضل؛ وليس الإقناع السَّلبي الذي يشكِّك في المعتقدات والدِّين والأخلاق، والتي ربَّما يكون أكثر ضحاياها من الجهلة، وصغار السِّن، والذين تفترسهم عصابات الإنترنت، وتغتال عقولهم وطفولتهم إلى السَّير في مسارات الغوايةِ والضلالِ والإرهابِ، وهذه من أسوأ مصادر الإقناع التي يجب على الوالدين مراقبة تواصل أبنائهم فيها.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store