Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر

صخرة رأس الرجل ما بين المظهر والمُسمى

A A
تُعدُّ منطقة شمال المملكة العربيَّة السعوديَّة زاخرةً بالمواقع الأثريَّة، التي تتابع فيها الاستيطان البشري منذ العصور الحجريَّة، وارتبطت بعلاقات وثيقة مع الحضارات الأُخْرى داخل وخارج الجزيرة العربيَّة، إضافةً إلى أنَّ المنطقة تُعدُّ ذات موقع إستراتيجي مهم، لكونها ممرًّا رئيسًا للقوافل التجاريَّة القادمة من الجنوب، مرورًا بالشمال، ومن ثمَّ تتَّجه خارج الجزيرة العربيَّة.

وتحتوي المنطقة، على مجموعة كبيرة من الرسوم الصخريَّة، والنقوش، والمنحوتات الصخريَّة، التي تُعدُّ انعكاسًا لواقع الإنسان، وتفاصيل حياته وثقافته، وحتى المهن التي مارسها. ويثبت ذلك شواهدها الأثريَّة الباقية إلى وقتنا الحاضر.

وهذا المخزون للتراث الثقافي في المملكة، أسهم في إدراج المواقع والعناصر على قائمة التراث العالمي منظَّمة الأمم المتحدة للتَّربية والعلم والثقافة «اليونسكو»؛ وهذا يعطينا دلالةً على ثراء المنطقة ومخزونها التراثي الضخم، وما زالت زاخرةً بالمواقع التي يمكن أنْ تسجل ضمن قوائم اتفاقيَّات وبرامج اليونسكو.

وفي السياق نفسه، أُطلق مُسمَّى «أبو الهول» على نحتٍ صخريٍّ ضمن سلسلة جبال أجا، وهو من أشهر سلاسل الجبال في الجزيرة العربيَّة، إلى جانب سلمى، وجاء ذكرهما في العديد من الأبيات الشعريَّة، فوردا -على سبيل المثال- في شعر زهير بن أبي سلمى وامرئ القيس، إلى جانب العديد من الجبال التي تضمَّنت رسوماتٍ ونقوشًا تعكس حضارة وثقافة تلك المجتمعات.

إنَّ إطلاقَ مُسمَّى «أبي الهول» على نحت رأس الرجل في حائل، يعطي انطباعًا على ضعف التَّعرُّف إلى المورث الثقافي، وتجاهل الامتداد التاريخي الحضاري في المنطقة، ويضع تساؤلًا: لماذا نقتبسُ ولدينا مخزون تراثي ثقافي ضخم؟ فمن المعروف أنَّ الجزيرة العربيَّة كانت منفتحةً على الحضارات الأُخْرى؛ بسبب موقعها الجغرافي وثرواتها الطبيعيَّة، إلَّا أنَّ هذا لا يجعلنا نترك تراثنا الأصيل، ونقتبس من الحضارات الأُخْرى، ولا نتجاهل عامل التَّأثير والتَّأثر في هذه الجزئيَّة الذي لا وجود له، خاصَّةً وأنَّ هذه الجبال تشكَّلت وبرزت على أشكال متباينة، نتيجة الظروف الطبيعيَّة المناخيَّة والجغرافيَّة، مع إمكانيَّة وجود تدخُّلات بشريَّة، خاصَّةً وأنَّ المنطقة زاخرة ومليئة بالرسومات الصخريَّة الآدميَّة بحجمها الطبيعي، ونقوشها مليئة بأسماء أفراد يمكن أنْ تُطلق على هذا النحتِ الصخريِّ، مثل «أَسْوَر، سَفْر، لدَعَثة، شَعْل، نَهَّاش»، أو حتَّى رجل أجَا، أو فارس أجَا، أو يأخذ مسمَّاه من مظهره، ففي الشمال الغربي العديد من المنحوتات الصخريَّة مثل صخرة العروسة، والفيل، والرَّاقصات، والقوس، والتي أخذت مسمَّياتها بناءً على أشكالها.

وفي مجمل القول: يُعدُّ الإعلام وسيلةً ذات أهميَّة عالية في مجال التَّرويج للتراث الثقافي، ومصدرًا أوَّليًّا لكلِّ مَن يرغب في الحصول على المعلومات؛ لذلك لابُدَّ من اختيار المصطلحات بدقَّة قبل أنْ تُعلن، وغاية هذه الدقَّة أنْ تصل المعلومة وتنشر المعرفة، فهذه المعلومات معلنة للعالم، وليست محدودة الوصول، وأيُّ خطأ أو تداخل فيها، قد يؤدِّي إلى أنْ يفقد التراث أهميَّته، أو ينتسب إلى حضارةٍ لا ينتمي لها.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store