- الفرديَّةُ، مَفهومٌ فلسفِيٌّ اجتِماعيٌّ أخلاقيٌّ؛ يُؤكِّدُ على القِيمةِ المَعنويَّةِ للفرْدِ ومُمارَستِهِ أهدافَهُ ورغباتِهِ بِشكلٍ مُستقِلٍّ، وحِمايَتِها مِنَ التَّدَخُّلاتِ الخَارِجيَّةِ مِن جَمَاعتِهِ أو مُجتَمَعِهِ، دونَ ضَررٍ أو ضِرارٍ. وهيَ بِهذا المَفهُومِ تُركِّزُ على الأهْدافِ الشَّخصيَّةِ للفرْدِ، وتخلُقُ فُرَصًا للتنوُّعِ الكَبيرِ في الآراءِ والابتِكاراتِ والإنجَازاتِ الفِكْرِيَّةِ، وتُساعِدُ على التَّقيِيمِ العقْلانِيِّ لِلفوَائِدِ والأضرارِ الَّتي تنْشأُ مِن العَلاقَاتِ الاجتِماعيَّةِ معَ الآخَرينَ.
- إنَّ مَفهومَ الفرْدِيَّةِ، يَرتَبِطُ بِصورةٍ وثِيقَةٍ بِتَشكيلِ الهُويَّةِ الشَّخصيَّةِ لِلأفْرادِ، وإتَاحَةِ الفُرَصِ لِتعزِيزِ الإبْداعاتِ الفَردِيَّةِ والابْتِكاراتِ الشَّخصيَّةِ، وتَشجِيعِ التَّنوُّعِ الثَّقافيِّ والفِكْريِّ في المُجتَمعِ الواحِد. فشُعُورِ الفَردِ بِالحُرِّيَّةِ والمَسؤُولِيَّةِ الفردِيَّةِ، يفْتَحُ لهُ مَجالًا أرْحبَ للتَّديُّنِ الفرْدِيِّ المُتَّزِنِ، وعَلاقَةً إيمَانِيَّةً أرْقى بِربِّهِ، بَعيدًا عنِ الشُّعُورِ بالتَّسلُّطِ وانعِدامِ القِيمَةِ الفرْدِيَّةِ. إنَّ الفردَ الَّذي لا تتَوفَّرُ لدَيْهِ عوامِلُ السَّلامَةِ الذِّهنِيَّةِ، مَريضٌ رُوحِيًّا، ومِن أهمِّ تِلكَ العَوامِلِ: الشُّعورُ بالاستِقلَالِيَّةِ الفرْدِيَّةِ، والقُدرَةُ على الحُبِّ.
- الفرْدِيَّةُ هيَ تَصوُّرُ الذَّاتِ مُتميِّزَةً مُتَفرِّدَةً لا مَثيلَ لَها في الكوْنِ، ومُتَحرِّرَةً مِن أشْكالِ التَّماثُلِ والتَّشابُهِ والإِقصاءِ والتَّسلُّطِ باسْمِ المَجمُوعِ والجَماعَةِ. وبِمعْنى آخَر، فرْضُ المُجتَمعِ عَليْنا تَقَمُّصَ أنواعٍ كَثيرةٍ مِن الشَّخْصِيّاتِ الّتي تتَغيَّرُ بِحسْبِ الظُّروفِ والمَواقِفِ، وتِلْكَ الشَّخصيَّاتِ تُعبِّرُ عنْ مَدى تأثُّرِنا بِالوعْيِ الجَمْعيِّ الَّذي يُحدِّدُ هُويَّاتِنا، فتَضطرُّ شَخصيَّاتُنا الفرْدِيَّةِ إلى الانكِماشِ فِي زاويَةِ اللّاوعيِ. إنَّ تَمجيدَ الانْتِماءِ المُتَطرِّفِ للمَجمُوعَةِ، غالِبًا ما يَكونُ على حِسابِ إلغاءِ الكيْنونَةِ الفرْدِيَّةِ وتغيِيبِ الشَّخصِيَّةِ المُستقِلَّةِ.
- ومَع أنَّ التَّعدُّدِيَّةِ الاجتِماعيَّةِ يُمْكِنُ أنْ تُغذِّي جذْوَةَ الإبْداعِ، لَكنَّ مِن مَساوِئِ العمَلِ الجَماعِيِّ، ذوَبانُ المَواهِبِ الفَردِيَّةِ وتَميِيعُ القُدْراتِ الشَّخصِيَّةِ الفَذَّةِ، واستِغلالُ العَملِ في ظُهُورِ أُناسٍ لا يَستَحِقُّونَ الظُّهورَ، ولمْ يُشارِكُوا بِفعاليَّةٍ.
- وخِتامًا، يُمكِنُ تَعزيزُ الشَّخصيَّةِ الفردِيَّةِ عنْ طَرِيقِ تَطويرِ المَهَاراتِ الذَّاتِيةِ، وتَحدِيدِ الأهدَافِ الشَّخْصيَّةِ، وقِراءَةِ الكُتُبِ ووَفْرَةِ الاطِّلاعِ، والتَّدرُّبِ على اتِّخاذِ القَراراتِ الشَّخصيَّةِ وتَحمُّلِنا المَسؤُوليَّةِ عَنها، والانْخِراطِ في مَجمُوعاتِ العَمَلِ بِصفَةٍ مُستَقِلَّةٍ وإبداءِ الرَّأيِ الشَّخْصِيِّ دونَ خَجلٍ، معَ احتِرامِ حقِّ الآخَرينَ في الاختِلافِ مَعَنا، وتَعلُّمِ قولِ «لا»؛ لمَا يُمْكِنُ أنْ يُؤثِّرَ سلْبًا على خُطَطِنا المُستَقبَلِيَّةِ وأوْقَاتِنا الخاصَّةِ، مَع ضَرُورةِ الاهتِمَامِ بالصِّحةِ الجَسدِيَّةِ والنَّفسيَّةِ.