يعتمد تقدم وتطور أي بلد على التعليم الجيد للأطفال، خاصة الموهوبين منهم، لأنهم يمتلكون قدرات عالية تمكنهم من التفوق والإبداع؛ وقد عرّف عالم النفس التربوي الأستاذ في كلية التربية بجامعة كونيكتيكت «جوزيف رنزولي»، الطفل الموهوب بأنه: «ذلك الطفل الذي يظهر قدرة عقلية عالية على الإبداع، وقدرة على الالتزام بأداء المهمات المطلوبة منه».
وأن الموهبة لا تقتصر فقط على القدرات العقلية العالية فقط -والكلام لا يزال للأستاذ «جوزيف رنزولي»- بل إن القدرات العالية هي مجرد ركيزة من ركائز الموهبة القائمة أيضاً على المثابرة والإبداع؛ وهي ما تسمى بنظرية الحلقات الثلاث.
فكم من مواهب برزت وأذهلت العالم في مراحل حياتها الأولى، ثم سرعان ما ضعفت همتها حين لم تجد من يأخذ بيدها، أو حين غاب عنها الدأب وامتلاك الهمة، ولم تلبث أن تلاشت وتاهت، في زحمة الحياة والأحداث.
إن الموهوبين لا يمكن إيجادهم عن طريق المصادفة؛ لأن المصادفات لا تصنع المعجزات، بل لابد من البحث عنهم بشكل دقيق ومدروس، يظهر جلياً عند تتبع حياة الموهوبين الذين أبهروا العالم، أن موهبتهم لم تظهر فجأة، لكنها مرت عبر منظومة عمل بدءاً من الاكتشاف والرعاية والتمكين.
إن للمؤسسات التعليمية على وجه الخصوص دوراً مهماً وكبيراً في اكتشاف وصقل ورعاية ودعم مواهب الطلاب وتنميتها في مختلف المراحل العمرية، ومعروف أن الموهبة هي إحدى المفردات التربوية والتعليمية التي ارتبطت بالطلاب ذوي القدرات العقلية الخاصة، طلاب يختلفون بطبيعة الحال عن أقرانهم، ويتميزون بالعديد من الصفات والإمكانات، والقدرات الخاصة التي تؤهلهم للارتقاء بمستوياتهم والتميز في جميع الجوانب التعليمية، والطلاب الموهوبين عادة يكون لديهم الاستعداد الفطري، والقدرات غير العادية، والأداء الجيد، الذي يميزهم عن بقية أقرانهم من الطلاب في مجالات التفوق العقلي، والابتكاري، والأداء الإبداعي وغيرها من المهارات والقدرات الخاصة، وهم بلا شك يحتاجون إلى رعاية تعليمية وتثقيفية خاصة بهم، نجدها لا تتوافر لهم بشكل متكامل في الكثير من المناهج والبرامج العادية التي تقدمها مؤسساتنا التعليمية، من أجل ذلك على المؤسسات التعليمية، مهمة عظمى وكبيرة في تشجيع ودعم ورعاية الطلاب الموهوبين وحمايتهم.
ويحب أن ينظر المربون إلى أنفسهم على أنهم ليسوا معلمين لتلقين المعرفة فقط، بل مكتشفون للموهبة، والموهبة كما هو معروف في حاجة إلى فرص للتدريب، والتأهيل، والتعليم، على نحو ما هو الحال في مجالات أخرى كالرياضة، والفن، والموسيقى، من أجل ذلك يجب أن يمتلك المعلمون المعارف والمواقف والقدرة على تطوير المواهب والطاقات الكامنة للأطفال، الذين لديهم القدرة على التحرك بسرعة كبيرة، والتعلم بمستويات معقدة، والابتكار في التفكير والإنتاج، ولا شك في أن عدم القيام بذلك، يحد من إمكانات تطوير الموهبة لدى الطلاب وربما تلاشيها.
وصدق شوقي حين قال في رائعته «قم للمعلم» التي ألقاها في حفل أقامه نادي مدرسة المعلمين العليا بالقاهرة عام 1932م:
أرأيتَ أشرف أو أجل من الذي
يبني ويُنشئ أنفساً وعقولا